الأربعاء، 16 يوليو 2008

الزهد والزاهدون

لطيف قاسم



في محاضرة معروفة للسيد الشهيد(محمد باقر الصدر) يسأل طلابه ومريدي درسه سوألا ً من الضروري جداً أن يطرحه كل واحدٍ منا على نفسه والسؤال هو هل عرضت علينا دنيا هارون الرشيد حتى نذمها ذالك الذم القبيح ؟

علماً إن تلك الدنيا ما غربت عن أراضيها الشمس ،نعم الواحد منا يلعن ويسب الدنيا ويعيب على الآخرين توجههم للدنيا ولا يسأل نفسه أي دنيا تلك التي يلعنها ؟ هل هي دنياه ؟ التي ربما تكون متعبة وفي عوز وفاقه وليس فيها ما يشده إليها ، وبذالك يكون يأساً من هذه الحياة ولا يتوق للعيش فيها .

ولكن لو كانت هذه الدنيا فيها كل مباهج الحياة واقبلت على الواحد منا بكل عنفوانها وأعطته كل ماديات الحياة فهل سيذمها بتلك العبارات النابية أم يقبل عليها بكل ما أتيه من قوة وهنا يكون الامتحان فمن لا يدخل قاعة الامتحان لا يحق له أن يقول أنا أيضا من الناجحين في هذا الدرس ،ألا إذا استلم الأسئلة و أجاب عليها بالحل الصحيح حينئذ له الحق أن يقول أنا ناجح وبالخط العريض .



قد ينجح الواحد منا في دروسٍ ومواضيع كثيرة وكبيرة فيجتاز دروس الصبر في الشدة وامتحان الاعتقال والسجن أو الغربة القاتلة وتعتبره بطل الأبطال ولكنه يرسب في درس"الدنيا" الزهد وخصوصاً الزهد في السلطة والسلطان فأنها من اخطر مز الق حب الدنيا والتي يقول عنها الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) ((حب الدنيا رأس كل خطيئة )) ، والسلطة ومباهج السلطة وإقباله عليها تسقطه وبالضربة القاضية بل وبالجولة الأولى .

الزاهد منا من تعرض عليه الدنيا ولا يريدها كما فعل أمير الزاهدين علي (عليه السلام ) حيث اكتفى منها بثوبه البسيط وقرصيه من خبز الشعير وأدام من الملح ومدر عته التي أستحيى من راقعها ، وليس الزاهد من لا يعرض عليه شيء ويدعي انه من الزاهدين .

من يستصغر فعل يوسف (عليه السلام) هو من تدعوه مثل زليخة ويهرب من الباب مذعوراً وليس من يكون شكله تنفر منه طباع الذكور قبل الإناث ويقول أنا زاهد في النساء .

من ينتقد (ألحوا سم) ولم يفتح له باب أحد المصارف ولم يشاهد بعينيه الذهب والفضة والأخضر والأصفر من كل عملات الدنيا ويقول أنا زاهد في المال والحمد لله لم أشارك في النهب والسلب نعم يا سيدي أنت زاهد لأنك لم تكن موجوداً ولم تتاح لك الفرصة وبالتالي لم تدخل قاعة الامتحان فلا تستطيع أن تقول انك من الناجحين،

الحذر كل الحذر من مز الق السلطة فهي إحدى ثلاثة أشياء يعشقها الإنسان والتي لا يستطيع (الفطام ) منها وهي" المال والنساء والسلطة".

ان ملف الفساد الاداري والمالي الان ربما وصل حجمة الى اطنان من الورق كتب فيها الاف من المخالفات المالية والادارية وكذلك الاف من مجالس التحقيق –بلا ادنى تحقيق – والالوكان هناك تحقيق وحساب لما استمر المفسدون في وظائفهم وبالتالي بفسادهم لافي بعض الاحيان يتسنمون مواقع ارفع مما كانوا فيه ربما تقديرا لجهودهم في السرقة والفساد ونكاية بالشرفاء وهيئة النزاهة كيف نريد من الفساد ان ينحسر ويبطل الفاسدين سرقاتهم ولايوجد اي رد فعل لمعاقبة المفسدين وقديما قيل ان" من امن العقوبة اساء الادب" "وان المال السائب يعلم على السرقة" "وان عينك على مالك دوه" وعينا ان عالج الفساد بكل قوة وبلا هوادة كما تم معالجة الارهاب المسلح بكل قوة وبلاهوادة.

علينا ان نعالج الامور كما عالجها الأمام علي ( عليه السلام ) حيث كتب الى أحد ولاته بعد أن وصله أنه مختلس وفاسد ادرايا ً ومبدد للمال العام بالتعبير الحديث . فكتب له :-

( وإني أقـُسم بالله قسما ً صادقا ً لئن بلغني أنك ختُنت مِن فئ المسلمين شيئا ً صغيرا ً او كبيراً . لأشدن عليك شدة ً تدعـُك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر والسلام ) .

ونلاحظ الوضوح والشدة والحزم في كلام الأمام وعدم التهاون مع الفساد صغيره أو كبيره فليس هناك فرقا ً بين من يسرق حفنه من اقراص ( البراسيتول ) وبين من يــُهّرب الى الخارج ( مليار) دولار وليس هناك فرقا بين من يزور شهادة الدراسة المتوسطة وبين من يزور شهادة الدكتوراه.



وبغض النظر ممن صدر الفساد من اشراف القوم أم من عامة الناس وما زالت رسالة علي ٌ عليه السلام الى عثمان بن حنيف واليه على البصرة يؤنبه ويوبخه فيها أقسى انواع التقريع واللوم لأنه لبى دعوة قوم ٍ من أهل البصرة (لوليمة ) كل ما فيها أطايب الطعام في ذلك الوقت ، وليس ( دفاتر الدولارات ) . ما زالت تقرأ الى اليوم وستبقى الى يوم يبعثون . حريا ً بنا أن نكتبها ونعلقها في كل مرفق من مرافق ومؤسسات الدولة وعلى الخصوص في ( البرلمان العرقي ) لعلها تكون رادعا ً لمن تريد أن تزل قدمه فالذكرى تنفع المؤمنين . وفي خطاب ٍ أخر لأمير المؤمنين يعالج فيه نفس المشكلة ( الفساد المالي ) ويذّكر فيه المختلس أن هذا المال العام ليس ملكا ً لأحد بل هو مـُلك الأمة وخصوصا ً ( إيتامها واراملها ومعوزيها ) ويكتب له ( فاتق الله واردد الى القوم أموالهم فأنك إن لم تفعل ثم مكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به احد إلا دخل النار ، ووالله لو إن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كان لهما عندي هواده ولا ظفرا مني بأرادة حتى أخذ الحق منهما وازيح الباطل من مظلمتهما ) .

ونلاحظ الأمام يذكر بأن المال المسروق هو مال هؤلاء الناس وكأنهم قد سرقوا وأخذ المال من أيديهم مباشرة وليس من ( الخزينة الحكومية ) .

واصبحنا نقول أموال عامة وعمومية هذا المال سببت الاستسهال فيه في الفترة الاخيرة . والمفروض أن يكون العكس ((فعمومية )) هذا المال يجب أن تسبب الإشكال الكبير قانونياً وشرعياً. ويجب أن يكون العلاج صارما ً وشديدا ً يصل لدرجة ((الضرب بالسيف )) أي الإعدام كما ملاحظ من قول أمير المؤمنين ، فعلينا ونحن الذين ابتلينا وابتليت مؤسساتنا بداء الفساد الاداري والمالي وخصوصا ً اولائك الذين تصدوا للمسؤولية ان يعلنوا عن خطة كبيرة لمكافحة الفساد لاتختلف عن خطط مكافحة الارهاب تلك التي نفذتها وتنفذها وزارتي الداخلية والدفاع .

ونحن بحاجة ماسة الى خطة فرض القانون ( إدارية ومالية ) تطلق في مؤسساتنا الحكومية وأن تحمي الحكومة بكل ما أوتيت من قوة عناصر ومحققي وقضاة هيئة النزاهة لأنهم طلائع القوم مثلهم مثل الجنود والشرطة . ويكافحون آفة لاتختلف عن تفجير القنابل والسيارات المفخخة ولتكن حملة وطنية شاملة يساهم فيها كل أبناء الوطن .

ما ينقل من مفاسد وفساد إداري ومالي يدمي القلب ويشمت العادي ويساء الحبيب ، ونحن اللذين نجحنا في كل امتحانات الدنيا ودخلنا قاعة((امتحان درس السلطة )) ونحن ورثة كل الوطنيين اللذين ضحوا من اجل العراق ،فعلينا أن ننجح وبدرجة100% ونلغي مفوضية النزاهة بعد أن تنتهي من تدقيق ملفات الفساد الإداري والمالي لأزلام النظام السابق والمنتفعين منه وليس ملفاتنا نحن الديمقراطيين الجدد ..

ليست هناك تعليقات: