الأربعاء، 9 يوليو 2008

ثقافة الاختلاف والحوار

ياسين العطواني

ونحن نشاهد الحوارات التي تبثها الفضائيات العربية، وتلك المداولات التي تجري في الاجتماعات الرسمية والعادية حينما تختلف المواقف والآراء، وتعلو نبرات الصوت، وتحمر الوجوه، وتشتد المواقف، ثم يقاطع كل طرف الطرف الآخر بالانفعال والصراخ، ويتمسك كل طرف بموقفه حتى ولو جانب الحق، يتبين لنا مدى حاجة مجتمعاتنا الى تعلم ثقافة الاختلاف والحوار. وهذه الحالة كانت ولا تزال سببا ًرئيسا ًللكثير من مشاكلنا الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية منها. والسبب يكمن في اننا لم نضع مسألة الاختلاف في موضعها الصحيح وألبسناها ثوبا مشوها غير ثوبها بحيث اصبحت نظرتنا لهذه الظاهرة نظرة المتهم لها بانها وراء كل ما هو سلبي في حياتنا. لكن الحقيقة غير ذلك فالاختلاف امر فطري في الانسان، اذ لا يمكن ان نتصور نموذجا لبشر متشابهين ومتطابقين في كل شيء في تفكيرهم، قناعاتهم، طرق معيشتهم... الخ، انما خلق الله تعالى البشر مختلفين لا يتناحرون او يتنازعون انما ليتعارفوا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ًوقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). والنقطة الجوهرية التي تجعل الاختلاف وسيلة للبناء والتطور وتلاقح الأفكار والتعارف وأخيرا تجعله ظاهرة ايجابية، هي عدم إلغاء الآخر الذي تختلف معه، وبالعكس تــّحول الاختلاف الى أداة هدم وتخلف وتنازع وفشل في حالة الغاء الآخر وعدم قبوله ، والاعتقاد اني امتلك الحقيقة المطلقة التي يجانبها كل من يختلف معي. وقد ابدع القرآن الكريم في قبول الآخر وانصافه وعدم الغائه وذلك حينما يتحدث عمن يختلف معهم من خلال ادراك حقيقة ان الخطأ والصواب واردان في اي وجهة نظر وفي اي موقف والحكم في ذلك هو العلم والعقل والدليل والبرهان.. فكل الكتب السماوية وحملت هذه الكتب من الأنبياء والرسل تؤكد على اشاعة ثقافة الاختلاف والحوار، فاذا كان من يمتلك العصمة يتعامل بهذا الانفتاح والأريحية، وبهذا القدر الهائل من الانصاف، أليس الأحرى بمن رأيه معرض للخطأ والاشتباه ان يقبل الرأي الآخر ويحترمة بل ويعترف بوجوده حتى لو كان رأيا يتناقض مع ما نتبناه ، فكل المدارس المتنورة تعتبر ان الاختلاف حق تقتضيه انسانية الانسان وليس أمرا ًطارئا ًعليها. ومن هنا تبرز اهمية تعزيز ثقافة الاختلاف في النفوس من خلال ادراك ان الاختلاف وارد في كل شؤون الحياة نتيجة الفروق الفردية بين الناس تكوينا، واختلاف طبائعهم، واذواقهم، وظروف حياتهم، ونصيبهم من العلم، وايضا من خلال ادراك حقيقة انه لا يجوز اعتبار الاختلاف دليلا على موقف عدائي، وان من يخالفنا في الرأي هو عدو لنا. وكذلك الايمان بأحقية كل طرف في التعبير عن رأيه وموقفه وما يؤمن به يتساوى في ذلك الرجل والمرأة، الكبير والصغير، الرئيس والمرؤوس مهما كان الاختلاف، وان يحاط كل طرف بالتقدير والاحترام من قبل الطرف الآخر ولا يجوز تسفيه رأيه او ايذائه. وهنا يأتي دور النخبة المثقفة وصناع الفكر، اذ تقع على عاتقهم نشر ثقافة الاختلاف والحوار، على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا. إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتنا، الذي هو اليوم بأمس الحاجة الى ان تسود هذه المفاهيم بين ابنائه، وعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الرؤى المختلفة، والآراء المبتكرة، بل نربي أنفسنا ومن حولنا على ثقافة الاختلاف والحوار فيما بيننا. وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان مهما كان يؤخذ من كلامه ويـُــرد، وليكن شعارنا: نتفق فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا ًفيما اختلفنا فيه. واعتقد ان هذه الثقافة أخذت تسود مؤخرا ً، ولا سيما بين الأوساط الشعبية ، بعد ان اقتنع الجميع بمدى هشاشة ما كان يروج له البعض من طروحات سياسية تدعو الى التناحر والفرقة ، وبعد ان أُستـُهـلكت هذه الطروحات ، وأصاب

سوق مروجيها الكساد .



Yaseen_63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: