الأربعاء، 9 يوليو 2008



الأسبقية في القوانيين العراقية



ياسين العطواني



تحت عنوان ( بيــّنة قانونية) المنشور في الصباح مؤخرا ً كتب الأستاذ طارق حرب عن الخطأ الشائع بين خواص الناس وليس عوامهم من القانونيين والمثقفيين ، وهو ان اصل القانون العراقي هو قانون حمورابي من دون ان يعلموا ان جميع الآثاريين والمؤخرين يتفقون على ان قانون أور نمو هو اصل القوانيين ، ليس في العراق حسب وانما في العالم أجمع . كما تحدث عن اسبقية وأولية الأنسان العراقي في تدوين النصوص القانونية وهذه حقائق تاريخية لا يختلف عليها اثنان . ولكن وما أريد اضافته الى قول الأستاذ حرب وهو على( بيــّنة) ودراية في هذا التخصص، ولعل هذه الاضافة ايضا ً تدخل ضمن الأخطاء الشائعة بين خواص الناس قبل العوام .

فالمعروف بين أوساط الآثاريين والمؤرخين في تاريخ العراق القديم ما يُشير الى صدور ثلاثة قوانيين قد سبقت قانون حمورابي , ويـُنسب أقدم القوانيين المكتشفة الى أور نمو مؤسس سلالة اور الثالثة السومرية ( 2113- 2095 ق.م) حيث كتب هذا القانون في آواخر الألف الثالث قبل الميلاد ، وقد امكن التعرف على بعض اجزاء القانون مدون على لوح مسماري اكتشف في مدينة نفر وآخر عثر عليه في مدينة اور وتمت قراءة اكثر من اثنيين وعشرين مادة منه , وتكمن اهمية هذا القانون اضافة الى كونه اقدم القوانيين الى حقيقة انه يمثل المبادىء القانونيه السومرية التي اخذت بمبدأ التعويض خلافا لقانون حمورابي الذي اخذ بمبدأ القصاص في معظم مواده القانونية .

اما القانون الثاني فهو قانون لبت –عشتار ( 1934 – 1923 ق.م) والذي سُميَ بأسم الملك السومري لبت عشتار خامس ملوك سلالة (إيسن) , فقد تمت قراءة ثماني وثلاثين مادة قانونية منه , ويبدأ بمقدمة تمجد الآلهة السومرية والملك لبت عشتار في حين ذكرت الخاتمة انجازات لبت عشتار في نشر العدل والقضاء على البغضاء والعنف وتحقيق الرفاهية .

ويُــعد قانون أشنونا الذي تم الكشف عنه في موقع تل حرمل القريب من بغداد عام 1946القانون الثالث , وقد نشره المرحوم العلامة طه باقر , ويضم بشكله الحاضر مقدمة وستين مادة قانونية تعالج مختلف المواضيع , وان الشبه واضح بين ما ورد في قانون اشنونا وما جاء به قانون حمورابي سواء في الاسلوب او المبادىء والاحكام .

ويضل قانون حمورابي الذي كتب سنة 1594 قبل الميلاد، اي في اواسط الالف الثاني أكمل وأنضج قانون مكتشف حتى الآن فهو القانون الوحيد الذي وصل بصيغته الاصلية , في حين القوانيين الاخرى السابقة له واللاحقة عبارة عن نسخ ثانية من القوانيين الاصلية . دون قانون حمورابي بالخط المسماري وباللغة الاكدية على مَسلة من حجر الدايوريت الاسود وضم ما يقارب 282مادة قانونيه اضافة الى المقدمة والخاتمة, وقد تم الكشف عن مسلة حمورابي عام 1901 – 1902 في مدينة شوشة عاصمة عيلام وهي محفوظة الآن في متحف اللوفر في باريس.

من خلال ما تقدم نستطيع القول ان القوانيين العراقية القديمة تعد بحق اقدم القوانين المدونة المكتشفة حتى الآن في العالم فقد تميزت بخصائص وضعتها في مقدمة القوانيين القديمة الناضجة حيث اخذت بمبادىء قانونية متطورة يمكن ان نجد صداها حتى في القوانين المعاصرة .





إن دراسة مُتأنية وتاريخية لبلاد ما بين الرافدين تـُبين مدى أرتباط هذه الأرض من العالم بفكرة العدل ونشأة الأديان والمعتقدات منذ فجر التاريخ وظهور المدن الأولى وخصوصا ًً في سومر وبابل وأكد مما أثر على الواقع السياسي والأجتماعي المحيط بها جغرافيا ً . لقد عرف العراقيون القدماء العدل في شتى ميادين الحياة من خلال التطبيقات العملية , ومن خلال الأنظمة والتقنيات التي وضعها الحكام والملوك الأوائل في وادي الرافدين . إن الحقيقة التي نريد تدوينها هنا , هي أن هذه الأرض قد أنفردت بأولويات حضارية وسوابق تاريخية لم يشهد لها مثيلُ من قبل مَــيّزة حضارت وادي الرافدين عما سواها وفي المقدمة منها تلك القوانيين والتشريعات , والتي تــُعد بحق من أقدم القوانيين المُكتشفة في العالم حتى الآن . وعند مقارنة القوانين العراقية القديمة مع مثيلاتها من القوانين التي صدرت لاحقا ً , نجد أن أقرب تلك القوانين من حيث التاريخ هو القانون اليوناني الذي أصدره صولون الإغريقي ما بين القرن السادس والسابع ق.م , ثم يليه ما صدر في روما في عصر الجمهورية فيما عُرف بـ (قانون الألواح الأثنى عشر ) في منتصف القرن الخامس ق,م . ومن هنا يكون العراقيون قد عرفوا القوانين والاصلاحات الأجتماعية وبقية المُعطيات الأنسانية اللازمة للحياة المُثلى منذ عصور موغلة في القدم وتتجاوز فترتها عن 2500 ق, م .

وفي الوقت الذي يفتخر فيه الفرنسيون والامريكيون بأنهم أول من أصدر دستورا ً مكتوبا ً في نهاية القرن الثامن عشر , فماذا عسى أن يقول الذين سبقوهم الى ذلك بأكثر من (4000 ) عام , عندما كانت الدساتير والقوانين تُكتب وتشرع في ذلك الوقت , فقد هدفت تلك القوانين الى حماية الضعيف من جور القوى الظالمة وضمنت حرية الافراد وتكفلت بحماية أمنهم . والمعروف إن القانون عندما يُشرع فذلك تحصيل حاصل لإستكمال هيكلية مؤسسات الدولة وَبُناها التحتية وتطور حركة المجتمع ’ بحيث يكون له القدره على الإستيعاب والتعايش مع تلك القوانيين .

أن ما نريد قولة في هذا الجانب , أننا يجب أن نـَستلهم من ذلك الأرث الحضاري لبلاد مابين النهرين لا سيما في مجال القوانين و التشريعات خصوصا ً وأن العراق مُقبل على مرحلة جديدة ، وانعطافة تاريخية ، وتبلورمفاهيم دستورية وحضارية، نتمنى أن تكفل ضمان المبادىء الرئيسية التي جاء بها الاعلان العالمي لحقوق الانسان , وأن تحضى بقبول ورضى مختلف أطياف المجتمع العراقي , مما يضع العراق في مكانهِ اللائق بين دول العالم المـُـتحضر , بعد التخلص من عقدة وتركة الدستور المؤقت والمراسيم الجمهورية . فقد دلت المُكتشئفات الآثارية المادية على أن أهل العراق هـُم أول من عَرف القانون , وَهم أول الأقوام الذين قاموا بِـِــسَنهِ وتدوينه .

واليوم ونحن نقف على اعتاب مرحلة يكثر فيها الحديث عن القانون وضرورة تطبيقة والألتزام به ، وهذا الأمر بحاجة الى عقد اجتماعي جديد يضم جميع مكونات الشعب العراقي دون أغماط أو تهميش لحق أي طرف او مـُكون من مكونات هذا الشعب , وهذا لن يتم إلا بعد أن يشعر الجميع بأنهم شركاء في هذا الوطن . ولكن الذي نحن بإمس الحاجة اليه تلك البيئة المناسبة , والأجواء الرحبة ، والتي يُفترض أن تسود حتى نتمكن من تطبيق تلك المفاهيم القانونية بالقدر الذي يتوافق مع خصوصياتنا وثوابتنا الروحية والأجتماعية والثقافية ولمختلف التنويعات والاطياف العراقية .

Yaseen_63@yahoo.com

































ليست هناك تعليقات: