الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الانتماء للوطن..وليس للطائفة!

المواطنة..كيف نرسخها؟



لطيف قاسم





يقول الامام علي "عليه السلام"بتعريف الوطن "الوطن ما حملك "



الوطن والوطنية والمواطنة كلمات كبار، تلتصقان بالطفل منذ الولادة، لانه بالفعل ولد مواطنا، وينتمي إلى وطن، والوطن ليس قطعة ارض يقيم عليها الإنسان ولكنه تاريخ، وروابط اجتماعية، ومعنوية، ومادية تشد الإنسان إلى مكان ما تجعله على استعداد للدفاع عنه بكل ما يستطيع من قوة.ولكن في العراق ارتبطت كل هذه المفاهيم والمسميات بالحاكم وخصوصا في عهد النظام البعثي حيث ارتبط الوطن بصدام واختزلت الوطنية بالتصفيق لصدام ولم يصبح حب الوطن من الايمان بل اصبح حب صدام والتهليل له من الوطنية وليست مصلحة البلاد والمواطنين والدفاع عن مصالحهم ،وهكذا تشوهت صورة المواطنة واصبحت عبارة "هذا وطني " شتيمة تعني في اغلب الاحوال ان هذا الشخص من رجالات السلطة وجماعة صدام .وهو امرا محزنا ان تتحول الوطنية الى شتيمة وعار على اصحابها .

وقد امرنا الله بالدفاع عن أرضنا وحمايتها ولنا في قصة سيدنا موسى مع بني إسرائيل عبرة وموعظة، عندما أمر الله بني إسرائيل أن يطيعوا نبي الله موسى "عليه السلام" وأن يدخلوا الأرض المقدسة لتحريرها وحمايتها ولكن بني إسرائيل عصوه قائلين (( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)).

فحكم الله تبارك وتعالى عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة، وكان هذا من اقسى العقوبات التي مرت بالتاريخ البشري ان يكون الانسان بلا وطن .

وحب الوطن والانتماء له ليس فقط من الإيمان، بل من الفطرة السليمة، ليس عند الإنسان فحسب بل الأحياء عموما، فهناك الحيوانات التي تهاجم أيّ دخيل على حدودها، والنباتات التي تفرز مواد سامة حول جذورها وجذوعها لتبيد أيّ أعشاب متطفلة على موطنها، فأينما يوجد وطن فلابد من وجود مواطن، فالوطن بلا مواطن كالشجرة الخاوية على عروشها، والمواطن بلا وطن إنسان بلا هوية تائه في الأرض.

ولكن هل الإنسان في العصر الحديث بصورة عامة او العراقي بصورة خاصة بعد التغيير الكبيرالذي جرى على البنية الاجتماعية والسياسية في المجتمع يدرك معنى الانتماء للوطن؟ وهل يستطيع القائمون على مناهج التربية والتعليم والاعلام والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني ان تغير تلك الصورة وذاك الارتباط بين الحاكم والوطنية ؟

وما دور الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والجهات الحكومية والسياسية المعنية بتنمية أو إضعاف روح المواطنة والانتماء داخل المواطن ؟ هذا ما سوف نعرفه من خلال التحقيق التالي.



تعريف المواطنة

القاسم المشترك بين الأفكار السياسية كافة اتفقت على ان المواطنة هي ان يخضع المواطن للوطن من حيث الانتماء والتوجيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا معناه ألا يلجأ إلى قوة أخرى خارج الدولة ليستمد منها الإرشاد أو التوجه في قراره السياسي.

والانتماء للوطن يعني ان المواطن كما عليه واجبات فله أيضا حقوق ولكن هذا لا يعني ان هذه مقابل تلك، أي عندما لا يعطيك الوطن ما تريد يكون من حقك ان تخونه أو ترفضه، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة فعلى الرغم من إخراجه من موطنه الأصلي مكة وهجرته إلى المدينة، ظل يردد انها احب البلاد إلى قلبه وما كان ليخرج منها لولا ان أخرجه قومه، كما ان الإمام شمس الدين المهدي وهو إمام علامة من كبار المرجعيات الشيعية ذكر في كتابه (التجديد في الفكر الإسلامي) الصادر عام 1997 ان ولاء المواطن يجب ان يكون للدولة وليس للطائفة، وقد أكدت الأديان السماوية في أصولها الصحيحة، وكذلك المفكرون من ذوي الانتمات الدينية كافة ان مفهوم الانتماء للوطن هو الولاء للأرض التي يعيشون عليها.

الطائفية من اخطر التحديات التي تواجه بناء المجتمع الداخلي وتؤثر في تماسك لحمته، ويجب على المواطن ايا كان انتماؤه الطائفي ان يكون ولاؤه للوطن لاللحاكم لان الحاكم راحل لامحالة والوطن باقي على مدى الدهر ، وهذا لا يتحقق سوى من خلال إحساسه بان الدولة وليست الطائفة هي مصدر الثواب والعقاب وإنها هي المانحة والمانعة، الأمر الذى يعني الحد من هيمنة الطوائف فكرا وسلوكا على أفراد الشعب.

ويجب ترسيخ مفهوم المواطنة داخل الطفل من خلال الأسرة والمدرسةوالتان لهما دور أساسي في تنمية المواطنة والانتماء داخل الطفل، فعندما يشب الطفل بين عائلة تنتقد النظام وتبدي عدم رضاها عن موطنها، ثم يجد المدرس دائم السخط على وضعه مقارنة بسواه، فيشب الطفل متشبعا بهذه الأفكار مما يوجد لديه نوعا من القبلية والحزبية غير الاجتماعية التي تفصل الفرد عن المجتمع الذي ينتمي إليه، ثم تأتي مسئولية الدور الإعلامي في تغذية روح المواطنة أو إضعافها، خاصة بالنسبة إلى الإعلام المرئي لانه يترك اثرا قويا في المتلقي.



ولاننسى ان العولمة كشفتنا بشكل قبيح لوجود عيوب وقصور في التربية المقدمة للشباب وان الدول الحديثة ركزت في الإنسان اكثر من المواطن، وان أخلاقيات المواطنة تعتمد في هذه الدول على أن الدولة يجب أن تكون أخلاقية في تعاملها مع المواطن بقدر ما يتوقع من المواطن أن يكون أخلاقيا في تعامله مع الدولة ومع المواطنين الآخرين.



وان الحل ببساطة يكمن في التربية، تلك القوى المهملة التي يجب أن تسخر أولا لصنع وبناء الانسان العراقي قبل المواطن العراقي ، حيث يرى أن الفرق بين مفهوم المواطن والإنسان هو الفرق بين الواقع والمثال.



دراسة المواطنة



والذي نراه ضرورة تعزيز مفاهيم الانتماء والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان في المناهج المدرسية، ومن خلال التعليم اللاصفي ضمن منظور تربوي وحياتي شامل، وفى هذا الصدد يجرى تدريب المعلمين على المشاركة واحترام الرأي الآخر وتعليم الطلبة الممارسة الديمقراطية من خلال زياراتهم المتكررة للمجلس الوطني "مثلا " وعلى وزارة التربية والتعليم ان تهدف إلى تنشئة الأطفال العراقيين على القيم الأخلاقية التي يتمسك بها مجتمعنا انطلاقا من انتمائهم العربي والإسلامي وهويته الحضارية وانفتاحه على العالم والتعاون من اجل الخير والسلام، وتنشئة الطلبة على الولاء الكامل للوطن والدولة وليس لفلان او علان من تلك العناوين الضيقة والتي تحصر الولاء بها فقط وغيره الخيانه العظمى كما كان النظام السابق يروج وينشا جيلا منغلقا على ذاتة ولايتفاعل مع غيره ، ونبذ العنف والتعصب، مع اعتماد العقلانية في تحليل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والى ضرورة تنشئة الطلبة على الوعي بالمسئولية الاجتماعية وتقديرها والحرص على أداء الواجب واحترام قيم العمل المنتج والرأي الآخر.

الانتماء والمواطنة قيم سلوكية تكتسب من خلال ممارسة النشاطات وليست معلومات يتم تحصيلها عن طريق مقرر يتم تدريسه، ليس معنى ذلك أنني اعترض على وجود مقررات من هذا النوع، ففي السبعينيات كان هناك مقرر ومؤلفات تدرس في مراحل الدراسة كافة، وعلى ذلك أرى انها ضرورية ولكني أرى أيضا أن أساس المواطنة الحقة في الممارسة الفعلية للسلوكات السليمة التي تمارس في الواقع، وإذا أردنا تربية الطالب كي يشعر بالمواطنة فيجب أن ننظر نظرة أوسع إلى المسألة القيمية، التي ينبغي أن تشمل كل النشاطات المدرسية وكل فعالياتها، فالتربية الوطنية يجب أن تكون مسئولية كل مدرس وكل عامل وكل منهج مدرسي لترسيخ معنى السلوك والقيم للانتماء الحق بالفعل وليس بالمعلومات التي يستقيها الطالب من المقرر المدرسي

. و أن التوعية بالمواطنة يجب أن تمتد إلى المسجد والمحاضرة الحسينية ومؤسسات المجتمع المدني، فالشباب يحتاج إلى تعلم موقفي وهذا واضح في الإسلام فالعمل الفعلي هو الذى له اثر في السلوك الجمعي بالتطبيق وليس بالقول وقد قال الله في كتابه العزيز((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)).



الامان الاقتصادي



ولاننسى ايضا أن الشعور بالمواطنة والانتماء للوطن يأتي من شعور الفرد بالأمان الاقتصادي والسياسي في وطنه، وهذا الشعور يؤدي به إلى زيادة الانتاج لمحاولة الارتفاع بمستواه الاقتصادي مما يشعره بالانتماء اكثر إلى هذا الوطن، والشعور بالانتماء يتزايد مع ارتفاع مستوى الحياة التي تؤدي بالمواطن إلى صيانه كرامته في وطنه.

ونلاحظا ان المواطن في الدول الغربية له قيمته داخل وخارج بلادة على عكس المواطن العربي الذى تزداد قيمته خارج بلاده في احيان كثيرة، وحتى يشعر المواطن بالانتماء إلى بلد ما يجب أن يوجد ما يميزه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

ومن المفارقات الغريبة ان العربي والمسلم والعراقي بالخصوص عندما كان يضطر الى الهروب من وطنه (ودائما ماكان ذلك) ولايستطيع ان يلجأ الا لبلدان الغرب ويحتظن وتقدم له كل مقومات الحياة الحرة الكريمة والتي افتقدها في وطنه ،والاغرب ان هذا (الهارب ) سيكون بامكانه ان يصرف ويعيل امه وابيه الباقين في وطنهما (دار الاسلام )من مال (دار الكفر ) وتلك هي مفارقة عجيبة !!!



مواكبة إعلامية



وهناك أهمية كبيرةو دورفاعل للاعلام المرئي في التأثير الإيجابي على المواطن فالاعلام بفروعه المتعددة وسيلة رئيسية وفعالة في إيصال مختلف الثقافات عبر الحضارات، والإعلام المرئي أحد الوسائل الإعلامية التي نستطيع الاستفادة منها إيجابا أو سلبا، والإعلام ليس وعظا وإرشادا فقد تخطينا هذه الطريقة التي لم تعد مجدية مع الحداثة والعولمة وعصر الإنترنت الذى نعيشه الآن، واصبحت القيم المجتمعية وصور المواطنة والانتماء يتم غرسها بشكل غير مباشر عن طريق النشيد والمسلسل وبرنامج الأطفال التي تؤكد جميعها المحبةوالروابط الوثيقة بين الوطن والمواطن، ولا ننسى البرامج الحوارية التي تعكس وجهات النظر المختلفة من جانب الضيف والمذيع وكلها تنبع من منطلق حب الوطن، ومهما تباينت الآراء يبقى الجوهر والهدف الرئيسي هو حب الأرض واختلاف الآراء يجب ألا يصل إلى التطاول وتعدي الحدود المسموح بها، فمن الممكن ان نطالب بالتعديل والتحسين ولكن بطريقه حضارية من خلال عرض وجهات النظر كافة.



التقدير لذاته

الطفل يعيش في دوائر من البيئات الاجتماعية تبدأ بذاته، ولذلك يجب على الأسرة ان تنمي فيه الشعور والتقدير لذاته كي يشب وهو فخور ومعتز بوجوده في هذه الأسرة مما يجعله يشعر بالانتماء إليها، ثم تبدأ الأسرة بتوسيع دائرة المعارف لدى الطفل ولكن ليس بالوعظ والإرشاد والشعارات وإنما بالسلوك والتصرفات، من خلال تحميله بمجموعة من المسئوليات والواجبات وأيضا الحقوق كي تنمى فيه القدرة على إيجاد توازن لمنظومة القيم بداخله، وحتى يعرف ان عليه واجبات وله حقوق، ويستمر دور الأسرة في تعزيز الإحساس بالمواطنة داخل الطفل، وذلك بحثه على المحافظة على نظافة أي مكان يذهب إليه، مثل الحديقة أو المجمع التجاري حتى يشعر بأن هذا المكان يخصه وبالتالي يشعر بالانتماء إليه.

واحتكاك الطفل بزملائه في المدرسة يجعله يشعر بذاته من خلال الآخرين، وشعوره بأنه جزء من مجموع يخلق توازنا نفسيا داخله مما يجعله ينتمي إلى مجتمع المدرسة، التي يجب أن تشرح للطفل ببساطة معنى الانتماء للرموز الوطنية المتمثلة في العلم والخريطة والنشيد الوطني، فعندما يطلب من الطفل ان يحترم العلم فيجب ان يفهم بطريقة مبسطة ما معنى العلم، أو الوقوف عند عزف النشيدالوطني فيجب ان يفهم لماذا يقف؟ وان الانتماء لا يدرس في الكتب ولكن من خلال مرور الطفل بالكثير من الخبرات والتجارب التي يكتسبها عن طريق الاحتكاك بالمجموعات التي يتعايش معها في وطنه الصغير المتمثل في أسرته ومدرسته وزملائه في الرياضة التي يمارسها، والمحافظة على نظافة المكان الذى ينتمي إليه، ثم يأتي الانتماء تلقائيا إلى كل جزء في الوطن الكبير.

واخيرا

هناك الكثير من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في المواطن، كالنظام السياسي ودوره في التعامل مع جميع الأفراد على قدم المساواة، وسعي الحكومة من اجل إشباع حاجات المواطنين بإتاحة الفرص المتكافئة لهم للتمتع بخيرات الدولة، كما ان الجانب الديني له أهمية كبرى ويجب ان يتناغم ما يبثه علماء الدين مع مفهوم المواطنة، وأيضا توجد قوى رئيسية مؤثرة في الأشخاص مثل الانتماء الحزبي أو السياسي أو الأيديولوجي للجمعيات أو الأحزاب السياسية تعد القوى الرئيسية التي تؤثر في مدى انتماء الفرد، لأنها تعيد صياغته حسب مبادئها مما يضعف أو يقوي انتماءه.

ومن حق كل مواطن ان يعمل في العمل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وفقا لرغباته وإمكاناته وظروفه ولكن عليه ان يدرك ان هناك قنوات شرعية لكل دولة لممارسة أي عمل، وان المواطنة هي اهم ركيزة في العمل السياسي وان الولاء للوطن يسمو على كافة الولايات.


ليست هناك تعليقات: