الثلاثاء، 15 يوليو 2008

كلكم حواريــّون فمن يهوذا

ياسين العطواني

مامن سياسي او موظف حكومي كبير تلقاه هذه الأيام إلا والهم يعتلج في صدره ، والأسى يتلظى على وجهه من حالة أنتشار ظاهرة الفساد المالي والأداري في أوصال الدولة العراقية . واذا اخذ البعض يتخوف اليوم فزعا ً من إنتشار وباء الكوليرا في بعض مناطق البلاد ، فلا اعتقد ان هذا الوباء اكثر خطورة ً وفزعا ً من وباء الفساد المالي والأداري الذي يستشري في طول البلاد وعرضها . فالأول يمكن تشخيصة مبكرا ً ومن ثم علاجة من خلال اتخاذ الأجراءات الوقائية والعلاجية ، إلا ان وباء الفساد المالي لم يتم لحد الآن التشخيص الدقيق له ، وتحديد الجهات والأشخاص التي تتحمل هذا الفايروس، وبالتالي لم يوضع العلاج الناجع له ، وقبل ذلك لم تتخذ الأجراءات الوقائية قبل انتشاره واستفحاله .
والأدهى من ذلك ان البعض من مؤسسات الدولة ، وحتى بعض الأوساط السياسية والأجتماعية باتت تعامل مع ( ثقافة الفساد ) وكأنها من المسلمات العرفية التي لا يمكن التخلص منها . وقد جسد هذه الحقيقة التقرير الصادر من منظمة الشفافية العالمية الذي صدر مؤخرا ً، والذي صنف العراق في مقدمة الدول في مجال الفساد المالي الى جانب الصومال وبوركينفاسو وما نيمار ! ، ومما يحز في النفس ان يوضع العراق كبلد ، وهو صاحب السفر الخالد ، لا سيما في مجال القوانيين والتشريعات بهذه المنزلة المزرية وبمصاف بلدان تقبع في أدغال افريقيا ، ولم تستكمل بعد مقومات الدولة الحديثة ، بل هي اقرب الى التكوين القبلي منه الى مفهوم الدولة ، مع احترامنا وتقديرنا الى شعوب هذه البلدان.
ومما زاد الطين بلة ان يصل الأمر الى الشخص المفترض ان يكون قد جمع الفضيلة كلها ، تثار حوله الكثير من الشبهات وهو المؤتمن على نزاهة الآخرين . وهذه التهم بعمومها ومرارتها نستشف من خلالها مدى الخلل الكبير الذي ينتاب مؤسسات الدولة ، وعدم الموائمة بين الأختيار غير السليم لتولي المسؤولية من قبل شخوص وجهات ليس فقط غير مؤهلة بل هي تحتاج الى تأهيل . وهكذا نسمع اليوم من الجميع ، إلا السخط الحاقد والنقد اللاذع من كل لسان ، وفي كل حديث ، وفي أي المجالس، لما هو حاصل ، فيقف المواطن البسيط موقف المشدوه بين العجب والغضب ، ويتساءل : اذا كنتم ياقوم حواريــّين ، فمن يهوذا الذي خان السيد المسيح بدوانقه الثلاثين . كلكم يَــلوم فمن المـُلام ، وكلكم يـَـتهم فمن المـُـتهم... ؟ .
وبهذه المناسبة ، وعظ احد الوعاظ عــِـظة تقاطرت عليها دموع اصحابه ، ثم افتقد مصحفه وكان الى جانبه فلم يجده ! فنظرأليهم وكلهم من أثر كلامه لا يملك دمعه وقال: ويحكم كلكم يبكي فمن سرق المصحف !؟ .





حرية التعبير ... وثلاث صور عربية


ياسين العطواني

تعتبر الحرية من القيم الجوهرية التي تميز بها الكائن البشري عن سواه من المخلوقات ، وقد أولت الرسالات السماوية والقوانيين الوضعية اهمية كبرى لحرية الأنسان ، على اعتبار ان هذا المخلوق يجب ان يكون حرا ً، لا يدين بالعبودية إلا لخالقه، وعلى هذا فلابد من الايمان بالحرية على صعيد المبدأ وعلى صعيد العمل ، فالأنسان حر في داخله ، ويجب ان يكون حرا ً في خارجه، فهذه هي المساحة الحقيقية للحرية . وما لم يحس الأنسان إحساسا ً كاملا ً بأنه قادر على التعبير عن رأيه والأفصاح عما في داخله فأنه سيتحول الى كائن متمرد سيدفعه الكبت الى البحث عن خيارات أخرى ، حتى لو كانت ممنوعة أو مرفوضة إجتماعيا ً أو ذات إتجاهات متطرفة ومغالية ، ويروي لنا التاريخ كيف ولدت التيارات المتطرفة في أجواء الحصار ومصادرة حرية التعبير ، بينما كانت في أصولها وبداياتها معتدلة . أردنا من هذا الأستهلال الدخول الى أجواء حرية التعبير في العالم العربي، وخصوصا ً في المجال الأعلامي ، والمساحة المتاحة التي يمكن التحرك من خلالها لممارسة النشاط الأعلامي والثقافي بمهنية وبعيدا ً عن دائرة الرقيب الحكومي ، من خلال ثلاث صور عربية ، أخذت في أوقات متقاربة ، تبين لنا الحالة المأساوية التي يعاني منها الواقع العربي في مجال حرية التعبير ، وسياسة تكميم الأفواه المتبعة في أغلب البلدان العربية.
الأولى ما حدثت في مصر ، وذلك عندما تم الحكم على أربعة من روؤساء الصحف المصرية بالحبس بتهمة التشهير والتجاوز على مقام رئيس الجمهورية . ولكن حقيقة ما حدث هو تساؤل بعض الصحف المصرية عن سبب ( الغيبة الصغرى) للسيد الرئيس ، وعدم ظهورة عبر وسائل الأعلام لفترة ليست بالقصيرة مما عزا بعض وسائل الأعلام سبب ذلك الى أحتمال مرض الرئيس ، ووجود بعض المشاكل الصحية التي تمنعه من الظهور العلني ، وهذا الأمور تحدث عادة ً مع كل الأنظمة الشمولية التي تفتقد الى الشفافية وخصوصا ً فيما يتعلق بظهور واختفاء روؤساء الأنظمة فيها، فالمعروف عن هذه الأنظمة انها مصابة بهوس الظهور على شاشات التلفاز بمناسبة وبدون مناسبة ، وعندما يحدث العكس فان سبب ذلك يعزو الى وجود عارض ومانع حقيقي يحول دون الظهور المستمر كما هو متعارف عليه . ولا اعتقد ان في ذلك ما يسيء الى الرئيس او ينال من مقامة ، مع العلم ان هذا الأمر لا يتعارض مع قانون الصحافة المصري، وما جاء به من تشريعات ونصوص قانونية تكفل حرية التعبير وابداء الرأي على نطاق واسع.
الصورة الأخرى ما جرى في المملكة المغربية ، عندما تم اعتقال احد الكتاب المغاربة بتهمة المساس بالذات المقدسة لأمير المؤمنيين جلالة الملك ( وهو اللقب الرسمي المعتمد في البلاد ) ، على خلفية مقال نشره في احدى الصحف المغربية ، و مما جاء في هذا المقال مجرد تساءل بسيط من قبل الكاتب عن الأوضاع التي تشهدها البلاد، والى اين تتجة ، وسط جملة من الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، ولا اعتقد ان في هذا التساؤل مايثير الريبة أو التجاوز ، والأدهى من ذلك ان هذا الكاتب جوبه بانتقادات شتى وحمله شعواء من قبل زملاء له ، لا لشي سوى التقرب زلفى للسلطان .
أما الصورة الثالثة فقد اتتنا هذه المرة من الجماهيرية الليبية العربية الأشتراكية الشعبية الأفريقية السواحيلية الأمايزيغية الصحراوية العضمى !، وبالذات من نجل القذافي سيف الأسلام ، والذي يشغل الآن منصب وديع من خلال ترأسه لأحدى منظمات حقوق الأنسان، وكما هو دأب الأنظمة العربية والتي تتبنى سياسة التوريث ، فعادة ً ما يشغل ولاة العهود المهيئين لخلافة آبائهم مناصب رمزية بعيدا ً عن الجانب السياسي ، وخصوصا ً في مجال الرياضة ، وحقوق الأنسان ، والمنظمات الخيرية، وهذا هو حال سيف الأسلام ، فمن خلال هذه المنظمة طرح مااسماه بمشروع سياسي اصلاحي لأنقاذ ليبيا ، وقد احتوى هذا ( المشروع الأصلاحي ) على فقرات انشائية مكررة وموجهة بالدرجة الأولي للأستهلاك الداخلي ، وعند تفحص هذا المشروع يتبين للمتابع البسيط ان اهم ما جاء فيه هو اطفاء صفة الألوهية والعصمة الأبدية على ابيه معمر القذافي ، وبقاءه في منصبه مدى الحياة ، وذلك عندما خُتم بعبارة تقول ( أن معمر القذافي خط أحمر ) وهذا يعني ان كل ما جرى وسيجري في المستقبل من حديث عن عملية التغيير في البلاد يجب ان لا يتجاوز هذا الخط الأحمر والمتمثل بالقائد الزعيم ، وبذلك انهى اي محاولة لأي اصلاح حقيقي في البلاد ، ومنع اي تساؤل او ابداء رأي من قبل اي مواطن ليبي. وهكذا فأن كل المشاريع التي تطرح في المنطقة العربية لا تعدو ان تكون إلا تكريسا ً للديكتاتورية ، وذر الرماد في العيون، مادامت سياسة التوريث هي القاسم المشترك الذي يجمع بين مختلف الأنظمة العربية بشقيها الملكي والجمهوري.
هذه ثلاث نماذج لثلاث بلدان عربية تعكس الواقع المرير لعموم شعوب المنطقة وما تعانية من تهميش وتغييب في صنع القرار السياسي ، وكذلك مصادرة الرأي العام الذي لا يتفق مع وجة نظر النظام السياسي الرسمي . والملاحظ ان كل مايجري من محاولات اصلاحية ، وما يتعلق بالحريات العامة في هذا البلد العربي او ذاك لا يعدو ان يكون إلا معالجات تجميلية ، بل هناك تراجع في بعض البلدان العربية في مجال حرية التعبير عن الرأي وحقوق الأنسان ،
على مختلف انظمتها ، فهي تتفق على الأستراتيجيات وربما تختلف في الأساليب في استمرارها وبقائها في الحكم. والشيء بالشيء يذكر فعلى الرغم من سوداوية الواقع العربي في مجال الحريات العامة وحرية التعبير على وجه الخصوص ، إلا اننا في هذه البلاد وفي يوم ٍ ما عندما كانت الخفافيش تعشعش في كل زاوية مظلمة من ارض العراق ، كنا ومجموعة من الأصدقاء نردد دائما ً ، يكفينا 5% مما لدى الآخرين من هامش الحرية في بعض البلدان العربية ، وهي بما هي عليه ، وهذا يعكس كم هو حجم المآساة والكبت الذي كان يعانيه ابناء هذه البلاد . ولعل هذه هو السبب الحقيقي لحالة الجفاء بل والعداء الذي تبديه الكثير من الأنظمة العربية والكارتيلات السياسية والأعلامية المرتبطة بهذه الأنظمة تجاه الوضع الجديد في العراق وما يشهده من انفتاح سياسي واعلامي وثقافي ، بالرغم من كل ما يوضع من عصي في دولاب العملية السياسية الجارية الآن في البلاد.



كيبوسات عراقية


ياسين العطواني


لا تزال في الذاكرة تلك الصُحبة المباركة مع والدي رحمه الله عندما كان يطلب مني مرافقته لحراسة دار جارنا الصابئي وهو يحتفل بأهم الأعياد المقدسة لديهم والمسمى بالبنجة أو (عيد الكرصة ) ، ففي هذا الطقس يتحصن المندائيون في بيوتهم ويقومون بخزن الماء والطعام ويستمر هذا الحال لمدة 36 ساعة ، وفي هذه الايام لا يسمح بدخول الدار من قبل اي شخص خلال فترة التكريص وعدم لمس الحيوانات والنباتات ، حيث نقوم انا ووالدي بحراسة بساتينهم ومواشيهم ، بل وحتى إطعام كلبهم ذات اللون الرمادي ، لأن طبيعة الطقس الديني لديهم لا يسمح لهم بالخروج من داخل بيوتهم ، وحقيقة ً كُنا نشعر بالفخر والزهو ونحن نقوم بإداء هذه الخدمة . اما الذي ذكرني بهذه الحادثة والتي مضى عليها ما يقارب الثلاث عقود ونيف ، ذلك المشهد التراجيدي والذي تجري وقائعه اليوم في بعض المناطق والمحلات ذات الطبيعة الديمغرافية المميزة ، حيث يتم تهجبر بعض العوائل واجبارهم على ترك سكناهم وتحت ذرائع شتى ، بحيث تحولت بعض المناطق والحارات والشوارع الى أشبه ما يكون بالكيبوسات المغلقة ، و لا ندري من اين أتت هذه الثقافة الجديدة والغير أخلاقية على مجتمعنا ، فلم يــُعرف عن المجتمع العراقي هذا التنافر والتباعد ، لا في تقاليده الأجتماعية الموروثة ، ولا معتقداتة الدينية تسمح له بذلك ، وهنا نتساءل عن صفة من يقوم بهذه الأفعال المُخجلة والمقيتة ، والى أي ملة ينتسبون ، فان كانوا عربا ً فها هي الحكايات والقصص التي ورثناها وهي تتحدث عن حماية الغريب والأجير والدَخيل ، بل إن بعضهم أجاره البهائم التي دخلت في حماه ، وان كانوا مسلمين ، فلنا في رسول الله قدوة حسنة ، فها هو يتفقد ويـعيد جاره اليهودي المريض ، والذي تذكره بعد ان اختفت تلك الأكوام من القمامة التي كان يُلقيها يوميا ً امام داره ، اذن من اين أتوا بتلك المفاهيم الغريبة . نحن نعلم بأن هناك أطراف محلية وأقليمية ودولية تعمل جاهدة ً ، وبكل ما أتت من قوة من أجل وصول الحالة العراقية الى ما هو أسوء مما عليه الآن ، وظل هذا الحلف الغير مقدس يطرح بين الفينة والآخرى العديد من الأوراق التي تتلائم وطبيعة كل مرحلة ، وقد جاء الآن دور الورقة الجديدة والمتمثلة بسياسة التطهير العرقي والطائفي ، ورغم علمنا بأن أجواء التطرف هي التي تخيم على البلاد الآن ، إلا ان ذلك لا يغفر لإصحاب الحل والعقد في المناطق التي تتم فيها عمليات التهجير من التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والغريبة في آن ٍ معا ً ، ورغم ان الأمر ليس بتلك السهولة ، إلا انه في الوقت عينه ليس بالمستحيل ، فالشيء المؤكد ان هذه التصرفات طارئة على مجتمعنا ، وهي بعيدة كل البعد عن أعرافة وتقاليدة ، وستزول بزوال مسبباتها ، وستنجرف يوما ً هذه الطحالب والعليقات الطافية و المنقطعة الجذور عندما يهدر تيار الوطنية الحقة ، ولكن يجب التنويه والأشارة هنا الى طبيعة الخطاب السياسي والديني المتطرف الذي يتبناه البعض والذي ساهم بشكل أو بآخر في أذكاء جذوة التطرف لدى البعض . وختاما ً نقول من أراد التخلص من البعوض ، فعليه تجفيف المستنقعات .

ليست هناك تعليقات: