الأربعاء، 16 يوليو 2008

الواهمون

لطيف قاسم

هل اصبح الحديث حول الإيثار والتضحية من اجل الآخرين حديث خرافة وأسطورة من أساطير الأولين؟وهل إن ما قرأناه عن أيثار الأجداد وحبهم لفعل الخير والعيش من اجل الآخرين لابل التضحية من اجل الآخرين هو(حجي على السلاطين)؟! لماذانتحدث عن الإيثار وكأنه مرضٌ اصيب به الأولين،واليوم شُفيت منه الاجيال؟! ويتحدث البعض وكأنه يطلب من علماء الطب اكتشاف لقاح مضاد لمرض الايثار وحب العمل من اجل الجماعة، على الرغم من انحسار هذا الوباء في العصور المتأخرة..!!!

دارت هذه الأسئلة في رأسي وأنا اسمع حوار بين شخصين أحدهم يقول للأخر وبلهجة الناصح الأمين ياأخي اترك فلان وفلان المهم مصلحتك (شعلينه بيهم)ونسي أو تناسى المتحدث أن فلان وفلان هم إخوانه العراقيين أبناء جلدته المفروض أن تتساوى المصالح بينهم لا بل المطلوب منه أن يؤثرهم على نفسه،وهذا الإيثار مطلوب منه مرتين مرة لان هذا الفعل حسنا بذاته وهو من مكارم الأخلاق-ان لم يكن هذا هو جوهر الاخلاق والفعل الاخلاقي - التي يجب أن يتصف بها القادة والمتصدين للقيادة،وثانيا لانه من هؤلاء المتصدين للقيادة.

نقراء في كتب التاريخ عن- فلان- انه كان" فاضلاً نبيلاً كريماً وفياً سخياً،يعرض نفسه للموت ليدفعه عن صديقه" وصديقه هنا(ابن وطنه) أذن على القائد أن يكون صالحا قبل أن يكون مصلحاً،أن يكون ساهرا على مصالح الناس ،أن يخشى من لعنة التاريخ، ويخاف من غضبة الأمة ،قد يقول القائل انك تتحدث عن مسؤولين صغاراً يديرون مؤسسات هنا وهناك وليس عن الحاكم بالمفهوم العام ، أقول أن القائد عندي هو ما طرحه الحديث النبوي الشريف "كلكم راع ٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" أي كلكم قادة في المكان الذي تشغلونه ،وستسألون في الدنيا والآخرة.

ويتوهم البعض ممن يتصدى للقيادة ، انه اصبح من (النخبة أو الطليعة) والتي لها الحق في امتيازات خاصة (ومكان الوهم هنا في الامتيازات التي يحصل عليها هؤلاء النخبة نتيجة تميزهم عن غيرهم وليس في الطليعية)، وعلى فرض ذلك فهل إن الطليعية تعني "الامتياز" أم تحمل مسئوليه أولى، على اعتبارهم الطليعة ومعنى الطليعة انهم في مقدمة القوم في أيام الشده، وفي أيام الحرب، أي الناس الذين سيتلقون الضربة الأولى في المعركة، وهولاء الناس من المؤكد إنهم يتمتعون بمواصفات خاصة، تؤهلهم ليكونوا في المقدمة، ولكنهم في كل الأحوال لا يحصلون على أي امتياز عن غيرهم سوى انهم قد تصدوا للقياده بدافع الحرص والمصلحة العامة يدفعهم لذلك ما يملكون من موهبة وثقافة تُجبرهم على أن يكونوا من النخبة وهؤلاء هم الذين سيكون منهم (الجندي المجهول) ولايضنن البعض أن (المجهول) تعني (المهمش) ابد فهذا الجندي هو من الطليعة أي من النخبة وإلا لما كان فعله هذا تخلده الشعوب.

ويذكر في تاريخ العراق الحديث أن محلات بغداد كانت مسورة من جهة نهر دجلة بسدة ترابية وكثيرا ًما كانت تنفتح"تنثلم" هذه السدة وتغرق محلات بغداد القريبة،وفي مرة أكل النهر من السدة الترابية وانفتح ماكان يسميه البغادلة (النهبور) وبدء الماء يتدفق من الفتحة و"تناخى "أهل بغداد لدفع الخطر القادم نحو محلاتهم وبداءوابعمل سدة ترابية داعمة وكانت الإمكانيات في ذلك الوقت متواضعة وبطيئة واحتاجوا أن يسدوا الفتحة بشكل مؤقت ريثما يتمكنوا من إكمال السدة الترابية التي يعملون بها ،فما كان من أحدهم وكان رجلا ضخماً(جثيث)الاان يجلس في داخل الفتحة ويغلقها بجسمه ويمنع تدفق الماء ويستطيع أهل بغداد من إكمال المهمة بنجاح ولكن الماء بداء يتدفق بسرعة وجرف" المضحي" هذا وغرق ومات من اجل الجميع.

اصحاب الإيثار،هم الذين تكون سعادتهم وسرورهم بأيصالهم الخير للأخرين وإدخال الفرحة عليهم اكبر من سرورهم بوصول ذلك اليهم،فهم حين يكسوا الاخرين احب وامتع من ان يكسوا انفسهم،وحين يطعموا الاخرين أهنأ وألذ من ان يأكلوا هم، وان يريحوا الاخرين اطيب لهم من جلب ذلك لأنفسهم. هؤلاء يكون عندهم الميل للفعل الاخلاقي سببه الاخرون،ويكون عندهم الهدف اسعاد الاخرين متجاوزين الذات وخارجين من دائرة"الانا"،ووجدانهم الاخلاقي يدعوهم دوما للفضيلة وترك الرذيلة واداء الواجب الاخلاقي. أن التصدي للقيادة يجب أن يكون وسيله من وسائل خدمة الناس بدلاً من أن تكون مظهر من مظاهر التعالي والتكبر عليهم .....فرفقاً بنا يا قيادة رفقاً بنا يا نخب رفقاً بنا يا متصدين.

ليست هناك تعليقات: