الأربعاء، 16 يوليو 2008

نهر الأحزان

نزار قباني

عيناكِ كنهري أحـزانِ

نهري موسيقى.. حملاني

لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ

نهرَي موسيقى قد ضاعا

سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني

الدمعُ الأسودُ فوقهما

يتساقطُ أنغامَ بيـانِ

عيناكِ وتبغي وكحولي

والقدحُ العاشرُ أعماني

وأنا في المقعدِ محتـرقٌ

نيراني تأكـلُ نيـراني

أأقول أحبّكِ يا قمري؟

آهٍ لـو كانَ بإمكـاني

فأنا لا أملكُ في الدنيـا

إلا عينيـكِ وأحـزاني

سفني في المرفأ باكيـةٌ

تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ

ومصيري الأصفرُ حطّمني

حطّـمَ في صدري إيماني

أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟

يا ظـلَّ الله بأجفـاني

يا صيفي الأخضرَ ياشمسي

يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني

هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا

أحلى من عودةِ نيسانِ؟

أحلى من زهرةِ غاردينيا

في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني

يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي

فدموعُكِ تحفرُ وجـداني

إني لا أملكُ في الدنيـا

إلا عينيـكِ ..و أحزاني

أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟

آهٍ لـو كـان بإمكـاني

فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ

لا أعرفُ في الأرضِ مكاني

ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني

إسمي.. ضيَّعَـني عنـواني

تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ

إنـي نسيـانُ النسيـانِ

إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو

جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ

ماذا أعطيـكِ؟ أجيبيـني

قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني

ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ

يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ

أنا ألـفُ أحبّكِ.. فابتعدي

عنّي.. عن نـاري ودُخاني

فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا

إلا عينيـكِ... وأحـزاني

الزهد والزاهدون

لطيف قاسم



في محاضرة معروفة للسيد الشهيد(محمد باقر الصدر) يسأل طلابه ومريدي درسه سوألا ً من الضروري جداً أن يطرحه كل واحدٍ منا على نفسه والسؤال هو هل عرضت علينا دنيا هارون الرشيد حتى نذمها ذالك الذم القبيح ؟

علماً إن تلك الدنيا ما غربت عن أراضيها الشمس ،نعم الواحد منا يلعن ويسب الدنيا ويعيب على الآخرين توجههم للدنيا ولا يسأل نفسه أي دنيا تلك التي يلعنها ؟ هل هي دنياه ؟ التي ربما تكون متعبة وفي عوز وفاقه وليس فيها ما يشده إليها ، وبذالك يكون يأساً من هذه الحياة ولا يتوق للعيش فيها .

ولكن لو كانت هذه الدنيا فيها كل مباهج الحياة واقبلت على الواحد منا بكل عنفوانها وأعطته كل ماديات الحياة فهل سيذمها بتلك العبارات النابية أم يقبل عليها بكل ما أتيه من قوة وهنا يكون الامتحان فمن لا يدخل قاعة الامتحان لا يحق له أن يقول أنا أيضا من الناجحين في هذا الدرس ،ألا إذا استلم الأسئلة و أجاب عليها بالحل الصحيح حينئذ له الحق أن يقول أنا ناجح وبالخط العريض .



قد ينجح الواحد منا في دروسٍ ومواضيع كثيرة وكبيرة فيجتاز دروس الصبر في الشدة وامتحان الاعتقال والسجن أو الغربة القاتلة وتعتبره بطل الأبطال ولكنه يرسب في درس"الدنيا" الزهد وخصوصاً الزهد في السلطة والسلطان فأنها من اخطر مز الق حب الدنيا والتي يقول عنها الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) ((حب الدنيا رأس كل خطيئة )) ، والسلطة ومباهج السلطة وإقباله عليها تسقطه وبالضربة القاضية بل وبالجولة الأولى .

الزاهد منا من تعرض عليه الدنيا ولا يريدها كما فعل أمير الزاهدين علي (عليه السلام ) حيث اكتفى منها بثوبه البسيط وقرصيه من خبز الشعير وأدام من الملح ومدر عته التي أستحيى من راقعها ، وليس الزاهد من لا يعرض عليه شيء ويدعي انه من الزاهدين .

من يستصغر فعل يوسف (عليه السلام) هو من تدعوه مثل زليخة ويهرب من الباب مذعوراً وليس من يكون شكله تنفر منه طباع الذكور قبل الإناث ويقول أنا زاهد في النساء .

من ينتقد (ألحوا سم) ولم يفتح له باب أحد المصارف ولم يشاهد بعينيه الذهب والفضة والأخضر والأصفر من كل عملات الدنيا ويقول أنا زاهد في المال والحمد لله لم أشارك في النهب والسلب نعم يا سيدي أنت زاهد لأنك لم تكن موجوداً ولم تتاح لك الفرصة وبالتالي لم تدخل قاعة الامتحان فلا تستطيع أن تقول انك من الناجحين،

الحذر كل الحذر من مز الق السلطة فهي إحدى ثلاثة أشياء يعشقها الإنسان والتي لا يستطيع (الفطام ) منها وهي" المال والنساء والسلطة".

ان ملف الفساد الاداري والمالي الان ربما وصل حجمة الى اطنان من الورق كتب فيها الاف من المخالفات المالية والادارية وكذلك الاف من مجالس التحقيق –بلا ادنى تحقيق – والالوكان هناك تحقيق وحساب لما استمر المفسدون في وظائفهم وبالتالي بفسادهم لافي بعض الاحيان يتسنمون مواقع ارفع مما كانوا فيه ربما تقديرا لجهودهم في السرقة والفساد ونكاية بالشرفاء وهيئة النزاهة كيف نريد من الفساد ان ينحسر ويبطل الفاسدين سرقاتهم ولايوجد اي رد فعل لمعاقبة المفسدين وقديما قيل ان" من امن العقوبة اساء الادب" "وان المال السائب يعلم على السرقة" "وان عينك على مالك دوه" وعينا ان عالج الفساد بكل قوة وبلا هوادة كما تم معالجة الارهاب المسلح بكل قوة وبلاهوادة.

علينا ان نعالج الامور كما عالجها الأمام علي ( عليه السلام ) حيث كتب الى أحد ولاته بعد أن وصله أنه مختلس وفاسد ادرايا ً ومبدد للمال العام بالتعبير الحديث . فكتب له :-

( وإني أقـُسم بالله قسما ً صادقا ً لئن بلغني أنك ختُنت مِن فئ المسلمين شيئا ً صغيرا ً او كبيراً . لأشدن عليك شدة ً تدعـُك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر والسلام ) .

ونلاحظ الوضوح والشدة والحزم في كلام الأمام وعدم التهاون مع الفساد صغيره أو كبيره فليس هناك فرقا ً بين من يسرق حفنه من اقراص ( البراسيتول ) وبين من يــُهّرب الى الخارج ( مليار) دولار وليس هناك فرقا بين من يزور شهادة الدراسة المتوسطة وبين من يزور شهادة الدكتوراه.



وبغض النظر ممن صدر الفساد من اشراف القوم أم من عامة الناس وما زالت رسالة علي ٌ عليه السلام الى عثمان بن حنيف واليه على البصرة يؤنبه ويوبخه فيها أقسى انواع التقريع واللوم لأنه لبى دعوة قوم ٍ من أهل البصرة (لوليمة ) كل ما فيها أطايب الطعام في ذلك الوقت ، وليس ( دفاتر الدولارات ) . ما زالت تقرأ الى اليوم وستبقى الى يوم يبعثون . حريا ً بنا أن نكتبها ونعلقها في كل مرفق من مرافق ومؤسسات الدولة وعلى الخصوص في ( البرلمان العرقي ) لعلها تكون رادعا ً لمن تريد أن تزل قدمه فالذكرى تنفع المؤمنين . وفي خطاب ٍ أخر لأمير المؤمنين يعالج فيه نفس المشكلة ( الفساد المالي ) ويذّكر فيه المختلس أن هذا المال العام ليس ملكا ً لأحد بل هو مـُلك الأمة وخصوصا ً ( إيتامها واراملها ومعوزيها ) ويكتب له ( فاتق الله واردد الى القوم أموالهم فأنك إن لم تفعل ثم مكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به احد إلا دخل النار ، ووالله لو إن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كان لهما عندي هواده ولا ظفرا مني بأرادة حتى أخذ الحق منهما وازيح الباطل من مظلمتهما ) .

ونلاحظ الأمام يذكر بأن المال المسروق هو مال هؤلاء الناس وكأنهم قد سرقوا وأخذ المال من أيديهم مباشرة وليس من ( الخزينة الحكومية ) .

واصبحنا نقول أموال عامة وعمومية هذا المال سببت الاستسهال فيه في الفترة الاخيرة . والمفروض أن يكون العكس ((فعمومية )) هذا المال يجب أن تسبب الإشكال الكبير قانونياً وشرعياً. ويجب أن يكون العلاج صارما ً وشديدا ً يصل لدرجة ((الضرب بالسيف )) أي الإعدام كما ملاحظ من قول أمير المؤمنين ، فعلينا ونحن الذين ابتلينا وابتليت مؤسساتنا بداء الفساد الاداري والمالي وخصوصا ً اولائك الذين تصدوا للمسؤولية ان يعلنوا عن خطة كبيرة لمكافحة الفساد لاتختلف عن خطط مكافحة الارهاب تلك التي نفذتها وتنفذها وزارتي الداخلية والدفاع .

ونحن بحاجة ماسة الى خطة فرض القانون ( إدارية ومالية ) تطلق في مؤسساتنا الحكومية وأن تحمي الحكومة بكل ما أوتيت من قوة عناصر ومحققي وقضاة هيئة النزاهة لأنهم طلائع القوم مثلهم مثل الجنود والشرطة . ويكافحون آفة لاتختلف عن تفجير القنابل والسيارات المفخخة ولتكن حملة وطنية شاملة يساهم فيها كل أبناء الوطن .

ما ينقل من مفاسد وفساد إداري ومالي يدمي القلب ويشمت العادي ويساء الحبيب ، ونحن اللذين نجحنا في كل امتحانات الدنيا ودخلنا قاعة((امتحان درس السلطة )) ونحن ورثة كل الوطنيين اللذين ضحوا من اجل العراق ،فعلينا أن ننجح وبدرجة100% ونلغي مفوضية النزاهة بعد أن تنتهي من تدقيق ملفات الفساد الإداري والمالي لأزلام النظام السابق والمنتفعين منه وليس ملفاتنا نحن الديمقراطيين الجدد ..

الواهمون

لطيف قاسم

هل اصبح الحديث حول الإيثار والتضحية من اجل الآخرين حديث خرافة وأسطورة من أساطير الأولين؟وهل إن ما قرأناه عن أيثار الأجداد وحبهم لفعل الخير والعيش من اجل الآخرين لابل التضحية من اجل الآخرين هو(حجي على السلاطين)؟! لماذانتحدث عن الإيثار وكأنه مرضٌ اصيب به الأولين،واليوم شُفيت منه الاجيال؟! ويتحدث البعض وكأنه يطلب من علماء الطب اكتشاف لقاح مضاد لمرض الايثار وحب العمل من اجل الجماعة، على الرغم من انحسار هذا الوباء في العصور المتأخرة..!!!

دارت هذه الأسئلة في رأسي وأنا اسمع حوار بين شخصين أحدهم يقول للأخر وبلهجة الناصح الأمين ياأخي اترك فلان وفلان المهم مصلحتك (شعلينه بيهم)ونسي أو تناسى المتحدث أن فلان وفلان هم إخوانه العراقيين أبناء جلدته المفروض أن تتساوى المصالح بينهم لا بل المطلوب منه أن يؤثرهم على نفسه،وهذا الإيثار مطلوب منه مرتين مرة لان هذا الفعل حسنا بذاته وهو من مكارم الأخلاق-ان لم يكن هذا هو جوهر الاخلاق والفعل الاخلاقي - التي يجب أن يتصف بها القادة والمتصدين للقيادة،وثانيا لانه من هؤلاء المتصدين للقيادة.

نقراء في كتب التاريخ عن- فلان- انه كان" فاضلاً نبيلاً كريماً وفياً سخياً،يعرض نفسه للموت ليدفعه عن صديقه" وصديقه هنا(ابن وطنه) أذن على القائد أن يكون صالحا قبل أن يكون مصلحاً،أن يكون ساهرا على مصالح الناس ،أن يخشى من لعنة التاريخ، ويخاف من غضبة الأمة ،قد يقول القائل انك تتحدث عن مسؤولين صغاراً يديرون مؤسسات هنا وهناك وليس عن الحاكم بالمفهوم العام ، أقول أن القائد عندي هو ما طرحه الحديث النبوي الشريف "كلكم راع ٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" أي كلكم قادة في المكان الذي تشغلونه ،وستسألون في الدنيا والآخرة.

ويتوهم البعض ممن يتصدى للقيادة ، انه اصبح من (النخبة أو الطليعة) والتي لها الحق في امتيازات خاصة (ومكان الوهم هنا في الامتيازات التي يحصل عليها هؤلاء النخبة نتيجة تميزهم عن غيرهم وليس في الطليعية)، وعلى فرض ذلك فهل إن الطليعية تعني "الامتياز" أم تحمل مسئوليه أولى، على اعتبارهم الطليعة ومعنى الطليعة انهم في مقدمة القوم في أيام الشده، وفي أيام الحرب، أي الناس الذين سيتلقون الضربة الأولى في المعركة، وهولاء الناس من المؤكد إنهم يتمتعون بمواصفات خاصة، تؤهلهم ليكونوا في المقدمة، ولكنهم في كل الأحوال لا يحصلون على أي امتياز عن غيرهم سوى انهم قد تصدوا للقياده بدافع الحرص والمصلحة العامة يدفعهم لذلك ما يملكون من موهبة وثقافة تُجبرهم على أن يكونوا من النخبة وهؤلاء هم الذين سيكون منهم (الجندي المجهول) ولايضنن البعض أن (المجهول) تعني (المهمش) ابد فهذا الجندي هو من الطليعة أي من النخبة وإلا لما كان فعله هذا تخلده الشعوب.

ويذكر في تاريخ العراق الحديث أن محلات بغداد كانت مسورة من جهة نهر دجلة بسدة ترابية وكثيرا ًما كانت تنفتح"تنثلم" هذه السدة وتغرق محلات بغداد القريبة،وفي مرة أكل النهر من السدة الترابية وانفتح ماكان يسميه البغادلة (النهبور) وبدء الماء يتدفق من الفتحة و"تناخى "أهل بغداد لدفع الخطر القادم نحو محلاتهم وبداءوابعمل سدة ترابية داعمة وكانت الإمكانيات في ذلك الوقت متواضعة وبطيئة واحتاجوا أن يسدوا الفتحة بشكل مؤقت ريثما يتمكنوا من إكمال السدة الترابية التي يعملون بها ،فما كان من أحدهم وكان رجلا ضخماً(جثيث)الاان يجلس في داخل الفتحة ويغلقها بجسمه ويمنع تدفق الماء ويستطيع أهل بغداد من إكمال المهمة بنجاح ولكن الماء بداء يتدفق بسرعة وجرف" المضحي" هذا وغرق ومات من اجل الجميع.

اصحاب الإيثار،هم الذين تكون سعادتهم وسرورهم بأيصالهم الخير للأخرين وإدخال الفرحة عليهم اكبر من سرورهم بوصول ذلك اليهم،فهم حين يكسوا الاخرين احب وامتع من ان يكسوا انفسهم،وحين يطعموا الاخرين أهنأ وألذ من ان يأكلوا هم، وان يريحوا الاخرين اطيب لهم من جلب ذلك لأنفسهم. هؤلاء يكون عندهم الميل للفعل الاخلاقي سببه الاخرون،ويكون عندهم الهدف اسعاد الاخرين متجاوزين الذات وخارجين من دائرة"الانا"،ووجدانهم الاخلاقي يدعوهم دوما للفضيلة وترك الرذيلة واداء الواجب الاخلاقي. أن التصدي للقيادة يجب أن يكون وسيله من وسائل خدمة الناس بدلاً من أن تكون مظهر من مظاهر التعالي والتكبر عليهم .....فرفقاً بنا يا قيادة رفقاً بنا يا نخب رفقاً بنا يا متصدين.

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

دراسة مقارنة لتحليل المضمون الاعلامي القياسي و الكمي

علي حسون

ali.hason@yahoo.com

http://alihason.blogspot.com/

تحليل المضمون الاعلامي: يعد تحليل المضمون الاعلامي من الاساليب البحثية الحديثة و القديمة في تقييم المادة الاعلامية في نفس الوقت و عند قولنا الحديثة القديمة نقصد ان هذا الاسلوب في مجال البحث و التنظير قد مضت عليه مدة طويلة ويعد قديما حيث ظهر بوادر البحث في المدة التي تمتد الى بدايات القرن العشرين على يد بعض الدارسين الاميركيين الا ان الانفجار و الاهتمام العالمي به ظهر من خلال الكم الاعلامي الهائل الذي طرئ على المنتج الاعلامي في منتصف نفس القرن نتيجة لتطور وسائل الاتصال و ونمو الخط الانتاجي الهائل لوسائل الاعلام ممادفع للحاجة الى دراسة الرسائل الخفية من وراء المادة الاعلامية بالنسبة للمتلقي و ايضا تفييم العمل الاعلامي بالنسبة للمؤسسة الاعلامية ذاتها .

و كون تحليل المضمون يبحث بصورة خاصة في الدلالات الفكرية خلف النص الاعلامي في مجال الاعلام ،او هو بلورة الوصف العادي للمضمون أو المحتوي و تنقيته حتى يمكن إظهار طبيعة المنبهات و المثيرات المتضمنة في الرسالة و الموجهة إلى القارئ أو المستمع أو المشاهد ، و قوتها النسبية علي أسس موضوعية (( ويبلز وبرلسون عن الدكتور محمود حسن إسماعيل)) فقد تنافست على الريادة فيه عدة علوم منها علم اللغة و خاصة في الدراسات السيميائية (السيمولوجيا) او علم الدلالة كما يحلوا للبعض تسميته و هو في احد ابسط تعريفاته التي ليس هذا الوقت المناسب للتطرق اليها كلها هو العلم الذي يبحث في الدلالة الفكرية الكامنة وراء المعنى (ماذا اراد ان يقول الكاتب )و هو قريب اشد القرب من الدافع الاعلامي للباحث في مجال الاعلام . و قد ساعد المنهج البنيوي النقدي في مجال تحليل المضمون اللغوي في تعميق الاهتمام بدراسة و تطبيق تحليل المضمون و انبثقت من المنهج البنيوي المنهجية التفكيكية على يد العلماء الفرنسيين في ثمانينيات القرن الماضي الى ان تم الاغراق في تحليل المضمون اللغوي من خلال قصدية جون كوهين في نهاية الثمانينيات و بداية التسعينات من القرن الماضي.

كما تنازعت علوم اخرى حول الريادة لمنهج تحليل المضمون منها علم الاجتماع و علم السياسة و مختلف العلوم الانسانية ، و على الرغم من الاشارات المنطقية الواضحة ان الاصول الفكرية لتحليل المضمون اتية من العلوم الصرفة كون تحليل المضمون يهدف الى تحويل المادة الانسانية ادبية او اعلامية او غيرها ال وحدات منطقية قابلة للقياس ، و هو قد يكون استجابة للنزوع المادي للعقل الانساني المغرق في المادية (نتيجة المتطلبات الحياتية و كذلك نمو الحواس المادية على حساب الاحساس العاطفي ).

مما تقدم يتضح ان تحليل المضمون الاعلامي لم يكن وليد التنظير البحثي البحت بل جاء استجابة للتطور الانساني في العلوم و تابعاً لحالة الانسان في البحث و اشباع غريزة الفضول العظيمة لديه مما يجعله منهجا ذا اسس منطقية نابعة من التعطش لمعرفة ما يتلقى و بالتالي تقيمم كم المعطيات الواصلة اليه و تقنينها و الاشراف عليها و التعامل معها، لذا كان لموضوع تحليل المضمون الاعلامي في الغرب بالغ الاثر في اثراء ساحة العمل الاعلامي من خلال تقنين المادة الاعلامية (من حيث نعلم او لا نعلم) ، و هنا اود الاشارة الى مثال بسيط ارى ان تذكره هنا يفيد الموضوع و هو الحالة الصحية لرئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق شارون الذي قامت الدنيا و لم تقعد على اطلاع الراي العام على حالته الصحية بادق تفاصيلها و لكنك اليوم عندما تسال السؤال الكبير هل مات شارون او مازال حياً ترى ان قلة في العالم متاكدين من الجواب ، ولعل القارئ المحترم يظن ان هذا ناتج عن الذاكرة المؤقتة لوسائل الاعلام لكن الاخوة العاملين في مجال الاعلام يعرفون ان هذا هو نتيجة العمل الممنهج (لاجهزة الاتصال الحكومية)و اقول هذا على استحياء كون النظم الديمقراطية و اعتقد ان اسرائيل و رغم كل ملاحظاتي الشخصية حولها هي احدها حريصة على ان لا تمس بحرية الاعلام المقدسةو يمكن ان اقول بعد هذا المثال(حرية الاعلام الظاهرة شكليا) كونها اهم ركائز المنظومة الحضارية الحديثة الان، و امثلة اخرى مثل عدد ضحايا انهيار البرجين في مانهاتن الذي رغم وجود الاحصائية الرسمية الا ان الاعلام و وسائله لم يتطرق لها لا لشيء بل لان المتلقي قد حولت وسائل الاعلام (الموجهة ) من حيث نشعر او لانشعر انه سحر الادارة الاعلامية .

اعتقد المثالين الذين سقتهما هما الاوضح و الامثلة كثيرة عند المختص المتتبع لحركة و سائل الاعلام ،ان دوائر الاتصالات الحكومية تلعب دوراً بارزا في توجيه الموجة الاعلامية اذا ما كانت حريصة على استخدام الادوات المناسبة (هنا اود ان ابدي اسفي على حل دائرة الاتصالات الحكومية و ابدلها بالمركز الاعلامي الذي يدار بما يشبه وكالة انباء مع الاسف و اعتقد ان تقويمها و رفدها بالكفائات مع التدرييب المناسب كان سيطور عمل الدائرة الا ان حلها يفقد الحكومة احد وسائلها بالتاثير بالاعلام) يمكن ان توجه الاعلام وفق خطة محددة و عملية تنقل الحكومة النقلة المهمة من كونها متاثرة بوسائل الاعلام الى مُوثرة بتلك الوسائل و موجهة لها.

ان العمل وفق منهج تحليل المضمون ابرز حاجة اخرى مهمة و هي لزام تقسيم هذا المنهج الى مناهج فرعية اخرى و التي ارتكزت على فرعين رئيسيين :

تحليل المضمو ن القياسي او كا اصطلح عليه بعض الباحثيين (النوعي):

وهو منهج تحليل المضمون القائم على فكرة تجميع الاشارات الاعلامية و حصر معطياتها باقل قدرممكن من المضامين للوصول للمضمون الغالب و ضع الاشارة المرجعية المناسبة له وفق اقل نوع من الاشارات . و بلغة اخرى تجميع الرسائل الاعلامية لكاتب ما على سبيل المثال او مؤسسة اعلامية او فترة زمنية محددة و وضع الاشارة المرجهية المناسبة لها كأن تكون مع او ضد موضوع ما او او وصفها بكونها محرضة او ناقمة او متسامحة او حتى على اسس فكرية كونها تنتمي الى منظومة فكرية او تتبنة طرحا ما و حتى في مجال الابداع كونها مبدعة او مكررة او تقليدية الى غيرها من الامور التي يحتاج الباحث التطرق لها.و هذا الاسلوب القياسي او النوعي له فوائد و عليه مآخذ حاله حال اي اسلوب بحثي في العالم :

مميزات او فوائد الاسلوب القياسي (النوعي)

· يمكن التعامل مع كم كبير من المادة الاعلامية و هو موجه على هذا الاساس حيث يمكن للاسلوب القياسي رصد و تحليل كم كبير من المعطيات الاعلامية لانه في الاساس يعتمد المقارنة كاحد روافد انتاج النتائج فيه و هذا يجعله اكثر مثالية للتعامل مع معطيات مختلفة على عكس الاسلوب الكمي كما سياتي في البحث قي حينه.

· يهتم بالجانب الابداعي كونه يتعامل مع المادة الاعلامية ككتلة واحدة و يقدم النتيجة على اساس قناعة ذاتية في مجمل الموضوع و بناء على اشارارات مرجعية محدودة.

· الاهتمام بالجانب الذاتي كون تكون القناعات الذاتية للباحث و المنتج للمادة الاعلامية مبثوثة في ثنايا المنتج النهائي و في الحقيقة ان هذه النقطة التي يراها البعض مميزة لهذا الاسلوب يراها البعض الآخر من عوامل ضعفه.

المآخذ على الاسلوب القياسي او النوعي

· ان النتائج المستخرجة و فق السلوب القياسي تكون نتائج محدودة كونها تعتمد على اشارات مرجعية محدودة .

· صوت الباحث يكون اعلى في المنهج القياسي كون العمل بمجمله ينبع من قناعة الباحث (فرد او مجموعة افراد او مؤسسة).

· الاغراق في الذاتية كون النتيجة النهائية تكون نتيجة تصارع او تلاقح قناعة المنتج للمادة الاعلامية و الدارس لها.

· باعتماد الباحث في المنهج القياسي على مادة محددة مسبقا و فق معايير محددة لايترك له مجال للمقارنة مع المادة الاعلامية التي تتصف بغير صفات المادة موضوع البحث.

تحليل المضمون الكمي :

و هو موضوع اهتمامنا وبحثنا في هذه الدراسة كونه الاحدث و الاقرب الى ادوات البحث العلمي و يعتمد هذا الاسلوب على تقسيم المادة الاعلامية الى وحدات صغير و يتم التعامل معها و فق مقايس عامة يضعها الباحث و فق قناعات ذاتية الا انها لن تكون كافية اذا لم تكن معززة باستدلالات منطقية عامة و متفق عليها بصورة كبيرة على لن يلزم الباحث بتلك المقاييس في مجمل الدراسة . يعتمد الباحث في الاسلوب الكمي في انتاج معلوماته او نتائج بحثه لا على الاستقراء الذاتي و انما على الاسليب الاحصائية و العددية و يكون ملزما بقبول النتائج التي في كثير من الاحيان ما تكون مفاجئة للباحث نفسه و لا اخفيكم انني في بعض الدراسات لاحظت ان النتائج كانت مفاجئة للمنتج للمادة الاعلامية.

مما تقدم اود ان اشير الى ان السلوب الكمي في منهج تحليل المضمون الاعلامي و بالنقطة المتقدمة بالذات اثار اعجاب الدارسيين اذ اظهرت هذه النقطة قوة التحليل الكمي كعلم تجريبي على الرغم من انه في نهاية المر يقع في خانة العلوم الانسانية.لذا نرى ان معظم الباحثين و المختصين اخذوا يلجئون له في موضوع تحليل المضمون الاعلامي مما ساعد هذا الاسلوب في تطوير ادواته للتغلب على بعض مشاكله و ايضا الاقتراب من نقاط القوة في الايلوب القياسي.

مميزات الاسلوب الكمي:

· ان النتائج التي يحصل عليها تحليل المضمون الاعلامي في الاسلوب الكمي هس نتائج من الصعوبة الطعن بها كونها قائمة على حسابات و احصائات في غالب الامر تصف بالرقمية و من قوتها يمكن الاحتجاج بها حتى على المستوى القضائي و القانوني (ترتقي الى مستوى الاثبات الدليلي في القانون)كما حصل في الكثير من الحالات.

· يمكن مقارنةنتائج اي دراسة قائمة على الاسلوب الكمي مع اي دراسة قائمة على نفس الاسلوب و باختصاص اخر الا في بعض المجالات و هي محدودة .

· النتائج في الاسلوب الكمي نتائج يمكن تطويرها و العودة اليها مرة اخرى خاصة اذا ما كانت ادوات التوثيق محكمة و يمن دائما استنباط نتائج جديدة و استحداث نقاط مرجعية جديدة و بالتالي نتائج و مرجعيات و دراسات متجددة اذ لاتعد النتائج التي يتوصل لها الباحث نتائج نهائية على الرغم مما تقدم اذ يمكن للباحث ان يعود للدراسة و يخرج بنتائج جديدة على شرط ان يبنيها على معطيات جديدة.

· الاهتمام بالجانب التوثيقي اذ تعتمد الدراسات الكمية على عينات موثقة و مقسمة و مبوبة (حسب درجة ابداع الدرس كفرد او مجموعة)و بالتالي تسمح بالعودة و لا تدع كبير مجال للتلاعب بنتائجها كون الباب سيكون مفتوحاً لباحث ثانٍ ليدلي بدلوه في الموضوع.

المآخذ على الاسلوب الكمي :

· محدودية مادة الدرس حيث لا يمكن للباحث اعتماد نماذ كثيرة للدراسة لان العمل سيكون معقدا و كثير التداخل مما يدفع الباحث للالتزام بمواد محددة الى حد كبير بالدراسة مقارنة بالاسلوب القياسي التقليدي.

· صعوبة الدراسة اذ يلزم الياحث في الدراسة الكمية الى و سائل و ادوات قد لا تكون مطلوبة في في الاسلوب القياسي كادوات التوثيق و الاحصاء .

· غياب الجانب الانساني في الدراسات الكمية حيث و كما اسلفنا تكون النتائج في بعض الاحيان مفاجئة لا للدارس بل حتي لمنتج المادة الاعلامية و هذا يشير بصورة واضحة لجمود الدراسة و غيلب الجانب الذاتي فيها فيما عدا اختيار الموضوع الذي يكون من جانب الدارس اما النتائج فربما تكون مفروضة على الباحث خاصة للذي لم يستكمل ادوادته العلمية.

الا ان جمل و روعة الاسلوب الكمي في تحليل المضمون الاعلامي دفع الكثير من الباحثين الى تطوير ادواتهم العلمية و العمل على تلافي المشاكل التي تواجه العمل وفق الاسلوب الكمي ولعل الاستفادة من الاسلوب القياسي و التقليدي هو كان العامل الاكبر في تطوير الاسلوب الكمي و في الحقيقة كان في النية تقديم مشروع برنامج كان من المؤمل له ان يقدم لدائرة الاتصالات الحكومية حول تحليل المضمون الكمي لوسائل الاعلام الموجهة الى العراق و يحوي من ضمن من يحوي قاعدة بيانات اعلامية و برنامج انتاج معلومات يومي و دوري الا ان الضروف لم تسمح بذلك لذا ارتئينا تاجيل تقديم المشروع الى حين اخر مع الاشارة الى ان المشروع مطروح للدولة العراقية للاستفادة منه حصراً في حال رغبت في ذلك.

السذاجة والسطحية سمة الدراما العراقية الأن لماذا؟

اثير الشامي

يمر العراق الأن بحالة مأساوية وفوضى عارمة من اختلاط المفاهيم وعدم القدرة على التمييز والأدراك للمصطلحات والمفاهيم الجديدة التي طرأت على الواقع العراقي بعد سقوط نظام صدام المقبور , فالديمقراطية والفدرالية وحرية التعبير والرأي والرأي الأخر , كلها مصطلحات جديدة جاءت بعد سقوط الصنم , الا ان العراقيين يعتادوا بماضيهم بشكل غير معقول وهم يعتقدون بأنهم ورثة كلكامش وأورك وبابل وحضر , أنهم ورثة كلكامش الذي يبحث عن الخلود وقصة الأخلاص لصديقه العتيد انكيدو , الا ان العراقيين تنازلوا عن الخلود ولم تعد العشبة ذات أهمية بالنسبة لهم , وذهبوا للبحث عن الأمن والأمان .

في الوقت الذي يحتاج به العراق الى كل ابنائه للتواصل مع ماضيهم ووضع اقدامهم على أول الطريق للمضي الى الحرية والتحرر بمفهومها الصحيح , نرى ونسمع من خلال بعض القنوات الفضائية العراقية والاذاعات ايضاً انها تقدم برامج ومسلسلات تسخر من كل الأشياء وتسخر من ذكريات جميلة كنا نعيشها في الماضي مع قلة الأشياء الجميلة في ذلك الزمن ظهرت مع الاسف مسلسلات تسخر من برامج وأفلام للرسوم المتحركة التي كنا نشاهدها في طفولتنا وصبانا مثل (أفتح ياسمسم ) و(ساسوكي ) والتي كانت في زمن لا يتوفر فيه الكثير من وسائل الترفيه , سوى تلك البرامج والافلام , هذه الأفلام تحاول ان تقتل فينا ذكرياتنا الجميلة وتسخر منها وليس لها من الدراما والفن شيء .

يقف العراقيون اليوم امام منعطف جديد في تعاطيهم لهذه المفاهيم الجديدة , فاما ان يكونوا متحضرين وينهضون بها بمفهومها الصحيح ويعبرون بالعراق الى بر الأمان , وأما ان يسخروا من ماضيهم ويشوهوا حاضرهم ويصبح مستقبلهم مجهول .

الدراما العراقية يمكنها ان تأتي برؤية جديدة حول الواقع الذي نعيشه وحول المستقبل , والدراما العراقية الأن متحررة من كل القيود ومن الخطوط الحمراء , يجب عليها ان تغير بعض مما ترسخ في الذهن العراقي على مدى عقود من الظلم والأستبداد وكم الأفواه وذلك من خلال تناول المشكلات المطروحة في الواقع العراقي الأن , وهذه الفرصة لم تكن متاحة للدراما العراقية في تلك الفترة المظلمة .

ان الفضائيات العراقية لا اقول جميعها بل بعضها تعبث بكل شيء وتسفه كل الأشياء وتنقد كل ما هو جميل وقبيح سيان , الا ان هذا لا بأس به في أطار حرية التعبير وحرية الرأي , ولكن يجب ان يكون وراء هذا النقد هدف سامي ونبيل يقصد به البناء والتقويم وهذه حالة صحية في المجتمع نود انتشارهه في بلدنا .

الا ان بعضها تقدم مسلسلات وبرامج تكتفي بالنقد الجارح الذي يصل الى حد الهدم دون الالتفاف الى اي زاوية بعيدة او افق يبث فيه أمل ما لدى الناس أو يرمز لأشراقت شمس جديدة في العراق , هذا الطرح يضع مصداقيتها موضع تسأول وشك .

رغم المساحة المتاحة للأنتاج الدرامي داخل العراق وخارجه وحرية تناول اي موضوع واي مشكلة يعاني منها الشارع العراقي , لم تشهد الدراما العراقية حالة من السذاجة والتسطيح كالتي نعيشها الأن , فعلى مدى سنوات لم يستطع كتاب الدراما العراقية أن يأتوا بشيء قريب من الألام التي يعيشها الفرد العراقي , الا في أعمال قليلة جداً( سارة خاتون) و(السرداب ) رغم الحرية الكبيرة المتاحة لهم , أغلب الأعمال الدرامية التي انتجت خلال هذه الفترة تراهن على الجانب الكوميدي الساخر مما يحدث في العراق لتمرير رسالتهم , لكنهم لا يدركون مساحة هذه الحرية التي يتحركون بها , والتي هي اكبر من ادراكهم ,وبالتالي تكون النتيجة كم هائل من الأعمال السطحية والساذجة .

لم يحاول كتاب الدراما من توثيق تاريخ مهم وصفحة مهمة من تاريخ العراق هي ما بعد سقوط صدام وفوتوا على انفسهم فرص الخلود في الدراما والتاريخ .

الكثير من الأعمال الدرامية أنتجت خارج العراق وذلك بأعتقاد منتجيها بانهم سيكونون بعيدين عن العنف وفرق الموت والتصادم مع التيارات المتطرفة , الى ان نجاح العمل الدرامي يعتمد على هذا العنصر وهو المكان , يجب ان تبث الحقيقة في نقل الواقع من الواقع نفسه وتحت نفس الظروف وبالتالي فان هذه الأعمال تفتقر الى عنصر مهم هو عنصر الأقناع , فالزمن هو زمن عراقي والمكان هو مكان عراقي , فالمكان الذي يألفه العراقي لا يراه على الشاشة وهو يشاهد عملا تلفزيونيا يفترض ان يتناول تفصيلا معيا من حياته .

أن اي عمل درامي يعتمد في جوهره على صراع يستند على عنصرين أساسيين هما الزمان والمكان , فأذا ما أختلت هذه المعادلة أختل العمل بكامله , وهذا السبب دفع فريق عمل مسلسل ( أمطار النار ) الى وضع عبارة (فرسان الدراما العراقية من أرض الوطن يقدمون أمطار النار ) كأشارة الى الخلل الذي تعاني منه الأعمال التي تنتج في خارج العراق, أمطار النار انتج بالكامل داخل العراق وتم تصوره في نفس البيئة هي ( الأهوار ) اي انه يحقق المعادلة التي تعتمد على طرفيها الدراما هما الزمان والمكان .

Atheer-18@yahoo.com

السينما العراقية .......

بين ماضي مشرف وحاضر مشوه ومستقبل مجهول

اثير الشامي

السينما صناعة جبارة , فهي لا تكتفي بصناعة الرأي والفكرة في عقول المتلقي فحسب بل تتعدى ذلك لتصنع عوالم جديدة مبتكرة كان يعتقد انها ستظل اسيرة لخيال الأنسان ولن تتجسد على ارض الواقع وكأنها حقيقة , لقد استطاع السينمائيون أن يخلقوا لنا عوالم وهمية وان يحلقوا بنا الى الفضاء , كما أستطاعوا ايظا ان يعيدونا الى الوراء عشرات ومئات السنين لنعيش مع من سبقونا حياتهم كما هي عبر خلقهم للظروف نفسها أو المشابهة لها التي كان يعيشون فيها في الماضي , لقد حاكوا بخيالهم الواقع وتجاوزوا كل حدود الزمان والمكان والمنطق .

السينما في بداياتها كانت بسيطة التركيب خالية من التعقيد , فكان كل ما يتكلفه المصور او المخرج أنذاك هو الأتيان بفكرة صالحة للتصوير , ثم يقوم بتصويرها وتنفيذها كما هي في مكانها الحقيقي في الطبيعة .

لكن مع الأنتشار الواسع والسريع للسينما , ومع أزدياد عدد الأفلام المنتجة ووصول المنتجين الى اقصى ما يمكن أن يسمح به المتاح وقتها , ظهرت الحاجة الى الأبتكار والتطوير وظهر معها جيل من السينمائيين الرواد في العالم نذكر منهم الفرنسي ( جورج ميله ) والأمريكي ( ادوين سي كريفث ) والأخوين لومير والبريطاني ( هتشكوك ) والكثير من الرواد .

من هذه المقدمة لتاريخ السينما في العالم وبداياتها نعرج على بدايات السينما في العراق وكيف كانت .

بدأت السينما في العراق في عام 1959 بعد أنشاء أول مؤسسة للسينما هي مؤسسة السينما والمسرح , الا ان هذه المؤسسة لم تباشر الأنتاج السينمائي الا بعد النصف الثاني من الستينيات وكانت تكتفي بأنتاج الأفلام الوثائقية ذات الصلة بتلك الفترة وأستمرت على هذه الوتيرة الى عام 1966 .

وخلال الفترة التي سبقت عام 1966 قدم القطاع الخاص من شركات وأفراد عدد من الأفلام , وقد برز في تلك الفترة الكثير من الرواد والمخرجين السينمائيين العراقيين الذين قدموا الكثير من الأفلام وكان منها فلم ( قطار الساعة 7 ) من اخراج حكمت لبيب أواديس عام 1961 الذي يعد واحد من المخرجين العراقيين المميزين , حيث قدم هذا المخرج أفلاماً كثيرة كان لها قيمة فنية وجمالية مثل فلم ( أوراق الخريف ) تمثيل الفنان سليم البصري ومورين ويعد هذا الفلم من الأفلام التي لاقت نجاحاً جماهيرياً مرموقاً في مسيرة السينما العراقية وكونه يحمل موضوعاً أجتماعياً بأخراج متقن وتم أنتاج هذا الفلم عام 1963 , وقبل هذا الفلم تم انتاج فلم ( حوبة المظلوم ) أو ( القرار الأخير ) في عام 1961 من أخراج صفاء محمد علي , وايضا فلم ( أنا العراق ) عام 1961 للمخرج محمد منير ال ياسين , وفلم ( من أجل الوطن ) للمخرج فوزي الجنابي , وفلم ( سلطانة ) للمخرج صفاء محمد علي وفلم مشترك عراقي لبناني ( غرف رقم 7 ) وأيضاً فلم ( مشروع الزواج ) للمخرج كاميران حسني عام 1962 , وفلم ( نعيمة ) لمخرجه عبد الجبار ولي عام 1962 , وفلم ( ابو هيلة ) لمخرجه الكبير محمد شكري جميل وتمثيل يوسف العاني وعرض هذا الفلم في عام 1962 , وفلم ( فجر الحرية ) الذي أخرجه محمد منير عام 1962 .

وقد عرض أول فلم سينمائي عراقي ملون وهو فلم ( نبوخذ نصر ) لمخرجه كامل العزاوي وتمثيل سامي عبد الحميد حيث بدأ التصوير والعمل به في عام 1957 وتم انجازه وعرضه عام 1961 , وهناك الكثير من الأفلام السينمائية الأخرى .

وكانت الأفلام السينمائية تطبع وتحمض في معامل خارج العراق ولكن كان انتاجها وأخراجها داخل العراق , كانت السينما العراقية في تلك الفترة في أعلى مستوياتها وكان لها شأنها في الوسط العربي والعالمي , كان ذلك الوقت هو العصر الذهبي للسينما العراقية .

وبعد تسلم النظام البعثي الفاشي السلطة في العراق ومنذ ذلك الحين بدات السينما شأنها شان باقي مفاصل الحياة في العراق بالتراجع الى الوراء وبعد أن جعلها النظام البعثي تحت طائلته , قام بأجبار الكثير من رواد السينما وصناعها في العراق على أنتاج وصناعة أفلام سينمائية تعبوية تجسد عظمة وبطش وعدوانية النظام البعثي محاولة منه لأخضاع السينما والسينمائيين للتسييس والعسكرة التي كان يقودها ذلك النظام الفاشي , وكانت تلك الفترة فترة عصيبة على الكثير من السينمائيين الأشراف الذين لم يبدلوا أو يساوموا على مبادئهم وجمالية انتقاء المواضيع الانسانية والتي تخدم الأنسان وتوعي المتلقي , مما أجبر الكثيرين منها على الهروب خارج البلد كي لا يصلهم بطش الجلاد .

قام النظام الفاشي في تلك الفترة بأنتاج أفلام تعبوية نذكر منها ( صخب البحر , المنفذون , الحدود الملتهبة ) والكثير من الأفلام التعبوية الخالية من المعايير الأنسانية , حيث كانت هذه الأفلام تطبع وتحمض في معامل داخل بعض الدول العربية التي كانت تتملق للحكومة البعثية , وكانت لهذه الأفلام ميزانيات مفتوحة من قبل الحكومة لا تحدد الا بعد ان يتم تصويرها وطبعها وعرضها .

في تلك الفترة تردى مستوى الأنتاج السينمائي في العراق وبعد ان كان في مقدمة الدول العربية أمسى في مؤخرتها , فقد أصبح من الصعوبة انتاج فلم سينمائي بسبب الرقابة التي التي كان يسميها النظام البعثي ب( السلامة الفكرية ) والتي تعني عدم عدم التعرض للحكومة لا من قريب ولا من بعيد ويجب التملق لها وتمجيدها في كل فيلم يتم تصويره وعرضه في العراق او خارجه ومن يفعل عكس ذلك او يرفض تعتبر فكرة الفلم غير صالحة فكريا , وهذا يعني كم الأفواه واغلاق باب حرية التعبير والرأي والرأي الأخر وايضاً هنالك معوقات مادية بسبب صعوبة الفلم الخام وصعوبة الطبع والتحميض , لذلك نشطت في تلك الفترة زمن البعث أفلام اطلق عليها تسمية ( أفلام السكرين ) والتي كانت بستوى ضحل جداً وهي التي أطاحت بالماضي العريق للسينما العراقية .

وبعد سقوط الصنم وأنهيار الحكومة البعثية وبعد تلك الفترة الطويلة من الظلم والأستبداد ترك ذلك النظام البعثي على عاتق السينما العراقية تركة ثقيلة من سلوك ومخلفات البعث المجرم والتي مازالت لليوم أثارها واضحة والتي ادت الى ابتعاد السينما عن أنتاج أفلام لغرض انساني واجتماعي وثقافي .

هذا ما جعل السينما العراقية في مستقبلا مجهول لا يمكن التكهن به ولا نستطيع ان نعرف متى يمكن لها العودة الى ما كانت عليه ومتى تدور عجلة الأنتاج السينمائي .

الا ان لابد من النهوض بالسينما لمواكبة الأمواج العالية في الانتاج السينمائي في العالم , وكانت هناك عدة محاولات للعودة بالسينما الى ما كانت عليه من قبل مجموعة من السينمائيين الرواد والشباب نذكر منها فلم ( أحلام ) للعراقي المقيم في برطانيا محمد الدراجي , وقد اعتبر هذا الفلم نموذجا لمعاناة العراقيين ما بعد سقوط الصنم والترك الثقيلة التي تركها النظام البعثي للعراق من دمار ومأسي , فلم( أحلام ) يدور حول ثلاثة عوائل بغدادية لا يربط بين أبطالها سوى تقاسم المعاناة بينهم , غير ان قصة الفلم تجمع هؤلاء الأبطال في مستشفى الأمراض العقلية لسبب واحد وهو النظام السياسي بالبلاد فالبطل " علي " الذي يجسده بشير الماجدي المجند الأجباري في نقطة مراقبة قرب الحدود السورية يلقى القبض عليه بتهمة الفرار من ارض المعركة قبيل سقوط النظام بأشهر حيث كان يحاول أنقاذ صديقه الجريح فينتهي بالمصح العقلي بعد معاقبته بقص أذنه .

ومثله أحلام الطالبة الجامعية ( أسيل عادل ) التي ينتهي بها الحال في المصح ذاته بعد أعتقال حبيبها أحمد في ليلة زفافهما لأرتباطه بتنظيم سري لمجموعة اسلامية مناوئة للسلطة فينتهي المطاف بأحلام بفستان الزفاف نزبلة المصح .

ومعها الدكتور الجديد الشاب مهدي ( محمد هاشم ) الذي حرمه أعدام والده بسبب أنتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي من إكمال دراسته الطبية العليا , فكان وجوده في المصح العقلي كطبيب عقوبة له كأبن لاحد المعدومين ومعينا للبطلين أحلام وعلي .

وأول فلم عقب سقوط الصنم هو فلم ( غير صالح ) للمخرج الشاب عدي صلاح الذي أعتمد على سكيتشات لا رابط بينها , لكنه كان غير موفق في هذا الفلم لانه ضيع عليه وعلى المشاهد توثيق لحظات مهمة مرت بها بغداد والعراق كله .

رغم عدم شيوع صناعة السينما في العراق والتعامل مع الكاميرا السينمائية كما هو الامر مع الكاميرا التلفزيونية أو الفديو , ولقة سنوات الخبر في الاخراج السينمائي بعد الأنقطاع الطويل , الا ان هذا الافلام كانت كبداية لانطلاق السينما العراقية ولا سيما ان فلم ( أحلام ) يحمل رقم 101 بين الافلام العراقية التي تم انتاجها , وقد تكون هذه الصدفة الجميلة التي وضعت الفلم في هذا الرقم الفاصل بين زمنين متفاوتين ولعله يجلب للسينما العراقية تجارب تختلف عما كانت عليه .

Atheer_18@yahoo.com

المهرجان السينمائي الأول في العراق !!

عرفاناً بالدور الذي تقوم به السينما في صناعة الحياة وبناء المجتمع وتيمناً وتخليداً وعرفاناً ايضاً بالفنانين السينمائيين والمبدعين , أقامة دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة مهرجان السينما الأول في العراق , حيث شاركت في هذا المهرجان الكثير من الأعمال السينمائية الروائية والتسجيلية ,القصيرة منها والطويلة ,وكانت هذه الأعمال لمخرجين سينمائيين شباب ورواد جاءوا من كل انحاء العراق , وكان المهرجان كرنفالاً للأعمال الأبدعية وكان ناجحاً في أعداده وتنظيمه , وعرضت في المهرجان الكثير من الأعمال الجيدة ذات القيمة الفنية والتي استحقت بدورها الجوائز المرصدة لها من هذا المهرجان .

وكانت الجائزة الأولى بالأضافة الى المبلغ المالي الكبير بأن يتعهد القائمون على هذا المهرجان بتمويل وانتاج فلم أخر للفائز بهذه الجائزة في المكان والزمان الذي هو يختاره , وكانت هذه الجائزة بمثابة دعم وتشجيع للمخرجين والمبدعين العراقيين على تقديم المزيد من الأبداع والأعمال السينمائية ودفع عجلة السينما الى الأمام وأطلق العنان للمبدعين السينمائيين العراقيين لتجسيد أفكارهم ومخيلتهم الخصبة على ارض الواقع .

كما حضر المهرجان الكثير من المثقفين والفنانين والمبدعين والأدباء و….السياسيين , وقد أبدى الحضور أنبهارهم وسعادتهم بالنتاج الفني الذي وصلت اليه السينما العراقية .

على فكرة لم يكن خبر اقامة هذا المهرجان سوى حلماً كان في مخيلتي مثلما هو حلم في مخيلة الكثير من المخرجين العراقيين الشباب في زمن خالي من القصاء والتسيس , زمن كنا نحلم به ان يقام مهرجان للسينما في العراق يحتضن أبنائه المبدعين ويشجعهم على تقديم كل ما جميل وقيم في عالم السينما وأيماناً بأن السينما واحدة من الأدوات التي تصنع المجتمع الحضاري وايضا تصنع الحياة . كنا نحلم بأن نرى بعين الكامرا بلادنا بكل الألوان الزاهية والمشرقة بعيداً عن اللون الأسود والرمادي , كنا نحلم ان تشرق الشمس في بلادنا ولا تغيب ويبقى النور فيها ولا ينطفي .

كنا نحلم ان يأتي يوماً تحتفي بلادي بمبدعيها وفنانيها شأنها شأن باقي الدول العالمية والعربية والتي تحتفي بهم بكل سنة وقد يكون كل يوم .

ياتي يوماً يتنافس المتنافسون ويتبارى المتبارون من المبدعين والمثقفين في باقي دول العالم ليطرحوا نتاجاتهم الفنية والأدبية في بلدي التي أصبحت مركزاً للفنون والأدب , ومكانا يقيم ويقدر المبدعين . ورغم الظروف والصعوبات التي يمر بها العراق ومبدعيه الى انه هناك الكثير من المبدعين الذين يحملون الكثير من الأعمال التي ترفع من مستوى السينما في العراق وغم الأمكانية الغير متاحة لهم وعدم احتضانهم من قبل ذوي الشأن الى انه هناك المادة الخام من الواقع العراقي والأصرار الموجود لدى الشباب للنهوض بالسينما .

فهناك امثال على كثير من الأعمال السينمائية العراقية التي شاركت في العديد من المهرجانات العالمية والعربية وحصلت على العديد من الجوائز القيمة , وقد كان للسينما العراقية أثرها في هذه المهرجانات , وكانت هنالك محاولات بمجهود فردي وشخصي من بعض السينمائيين الشباب للنهوض بالسينما , ففلم ( أحلام ) للمخرج الشاب محمد الدراجي يعد من اروع الأفلام التي انتجت في السينما العراقية كونه نشأ في ظروف صعبة جدا وايضا ارخ حقبة زمنية من تاريخ العراق المعاصر , وقد نال هذا الفلم الكثير من الجوائز العالمية والعربية , وكذلك فلم المخرج الشاب عدي رشيد (غير صالح للعرض ), كان هذين الفلمين محاولة من المخرجين الشباب للوقوف بالسينما العراقية وتمثيلها في المحافل الدولية .

وفي القريب الماضي أقيم في دولة الأمارت العربية مهرجان الخليج السينمائي والأول من نوعه لان الأعمال المشاركة فيه هي اعمال لمخرجين خليجين , وقد كان للسينمائيين العراقين مشاركة كبيرة فيه , حيث ان الأعمال التي تم أختيارها من دول الخليج هي عشرة أفلام , أما الأفلام التي تم أختيارها من العراق هي خمسة عشر فلم من فئات مختلفة , حيث شارك فلم (أحلام ) للمخرج العراقي الشاب محمد الدراجي ضمن فئة الأفلام الروائية الطويلة وفلمه التسجيلي ( حرب , حب , رب وجنون ) وايضا فلم (دبليو دبليو دبليو كلكامش 21) للمخرج طارق هاشم و وفلم لهادي الماهود (ليالي هبوط الغجر ) وايضا فلم (يوم في سجن الكاظمية للنساء ) العائد من مهرجان روتردام السينمائي الدولي للمخرج الشاب عدي صلاح , وفي فئة الأفلام القصيرة فلم (طريق الموت )للمخرج سنان نجم , وفلم ( دار دور ) للمخرج الشاب أسعد كريم , وفي فئة الأفلام الطلبة القصيرة والتسجيلية بثمانية أفلام هي ( تقويم شخصي) و( خوذة مثقوبة ) في مسابقة الأفلام القصية فئة الطلبة وتشمل الأفلام المشاركة في فئة الافلام التسجيلية للطلبة فلم ( البقاء) للمخرج مناف شاكر وفلم حبيب باسم (التفكير بالرحيل ) وفلم ( الرحيل ) للمخرج بهرام الزهيري , فلم ( دكتور نبيل ) للمخرج أحمد جبار , فلم ( غريب في وطنه) للمخرج حسنين الهاني , فلم ( شمعة لمقهى الشهبندر ) للمخرج عماد علي , وفي ختام المهرجان وبدء الأعلان على الجوائز كان للعراق الحصة الأكبر من الجوائز فقد حصل فلم ( أحلام ) للمخرج محمد الدراجي على الجائزة الأولى للمهرجان للأفلام الطويلة وحصل ايضا فلم ( يوم في سجن الكاظمية للنساء ) للمخرج عدي صلاح على الجائزة الثالثة للأفلام الوثائقية , وفي فئة الافلام الوثائقية للطلبة حصل فلم ( الرحيل )للمخرج بهرام الزهيري على الجائزة الاولى , ومن نفس الفئة حاز فلم (شمعة لمقهى الشهبندر) لعماد علي على الجائزة الثالثة , وفاز بالجائزة الثانية للافلام القصيرة للطلاب فلم ( تقويم شخصي ) لبشيرالماجد .

هذا المهرجان ان دل على شيء دل على كثرة المبدعين والمثقفين العراقية , هذا والكثير من الأعمال العراقية التي شاركت في الكثير من المهرجانات العالمية وحصلت على الكثير من الجوائز , حيث كانت مشاركة العراقيين تظفي نكهة على هذه المشاركات .

هنا انا أتسائل اما آن الآوان حتى تقوم مؤسساتنا وحكومتنا على دعم هؤلاء المبدعين وكل المثقفين , ودعم كل ماهو جميل وخلاق ومبدع في عالم السينما والأدب والفنون علماً انهم بأستعداد دائم من أجل رفع أسم العراق عالياً في جميع المحافل الدولية .

اثير الشامي

atheeralshami@yahoo.com

سينما البعث

اثير الشامي

يقال ان الادب والفن هما مراة الأمة ، اي انهما انعكاسا لما عليه الامم من حضارة وتقدم او انحطاط وتدهور ، حتى وصل الامر من البعض ان يقسم العصور من عصور نهضة او تدهور من خلال الادب والفن ، فأن كانت الاداب مزدهرة والفنون مشتغل بها سمي هذا العصر بعصر النهظة او العصر الذهبي وما الى ذلك ،وان كانت الاداب والفنون لايعمل بها والمشتغلون بها لايشارلهم سمي هذا العصر بعصر الانحطاط او العصور المظلمة .

وفي زمن يقاد به الفن والفنانين وتكمم به الأفواه , زمن كان يسيطر فيه الحديد والنار على كل ما هو أنساني وجميل , ذلك هو زمن البعث في سنين عجاف امتهن الفن والفنانين على يد المؤسسة الحاكمة والتي لاتنتمي الى هذا الوسط بل بالعكس تشعر بالغربة والريبة والحذر مما جعلها تعمل وبشكل سافر ومبرمج لتشويه صورة هذا المرفق الثقافي من خلال وضع عناصر تفتقر الى ابسط مقومات الثقافة والفن على راس المؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي والفني ولم يكونوا سوى امعات تنفذ رغبات راس النظام وتدور في فلك التمجيد والتسبيح بحمد القائد الظرورة والحزب القائد .

واذا علمنا ان سلطة البعث ومن خلال سياسة "التبعيث " والتي لم تستثني ايا من المرافق الحياتية للشعب العراقي الا ودسة انفها فيه ومنها الاداب والفنون والثقافة فالفنون التشكيلية يجب ان تخضع لللادلجة وعلى الفنان التشكيلي ان يرسم بفلك البعث فكان مهرجان الحزب ، ومهرجان الواسطي ، وفي الاداب والشعر كان مهرجان المربد وعلى الاديب ان يسبح في بحر الحزب الاوحد

ويطهر ذنوبه المتهم بها من قبل السلطة الحكيمة .

وفي الفنون الشعبية والفلكلورية والغناء كان هناك مهرجان بابل الدولي والذي حشدت له الامكانيات المادية الكبيرة وجلبت له الفرق الغنائية من اقصى بلاد الشرق الى اقصى بلاد الغرب لتمجيد حفيد نبو خذ نصر وابن سلالة بابل .

ولم تكن السينما العراقية بمعزل عن هذا التوجه ،على الرغم من ان بدايات السينما العراقية لم يكن للسلطة يدا بها ،ولكن بعد ان سيطر حزب البعث على مقاليد السلطة في العراق ،وبالخصوص بعد وصول صدام حسين الى السلطة ، وبعد ان اقنع صدام قيادات الحزب بضرورة كتابة تاريخ حزب البعث وتوثيقه سينمائيا –ارجوا الانتباه الى عبارة تاريخ الحزب وليس تاريخ صدام – ولكن بما ان الحزب هو صدام وصدام هو الحزب كما ان صدام هو الوطن والوطن هو صدام فلا باس بذلك ، تم انتاج الايام الطويلة وهي ايام طويلة وبائسة حقا على العراقيين .

ويتحدث المخرج السينمائي قاسم حول عن الايام الطويلة وعن ظروف وطريقة انتاج هذا الفلم

"عندما شعر رئيس النظام العراقي صدام حسين بألم في فقراته في عام 1975، وطلب إليه أطباؤه المكوث في السرير لفترة من الوقت، استدعى عددا من كتاب الرواية العراقية لكي يروي لهم وهو على سرير العلاج تاريخه السياسي ونضاله في وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق. وكان كتاب القصة والرواية يتسابقون للفوز برواية تحقق لهم الشهرة والمال. وكان أكثرهم حماسا وسرعة في الأداء الشاعر عبد الأمير معله وهو ليس كاتبا روائيا إنما كان يكتب الشعر ويشغل منصب مدير مؤسسة السينما العراقية. كان يكتب فصول الرواية يوما بيوم ويطبعها في الصباح لتكون بين يدي صدام حسين قبل عقد الجلسة التالية لفقرات الرئيس.

وهكذا فاز ( معله ) بمجد رواية أطلق عليها اسم ( الأيام الطويلة ) التي تم طبع ملايين النسخ منها، وبأكثر من لغة، وأتخذ القرار الإعلامي بتحويلها إلى فيلم سينمائي تقرر أن لا توضع له ميزانية محددة، بل أن تكون ميزانية إنتاج هذا الفيلم ( ميزانية مفتوحة ) وهو تعبير لم تستخدمه هوليوود حتى في أضخم أفلامها القديمة إنتاجا مثل ( الوصايا العشر ) و ( ذهب مع الريح( " .

واختير المخرج المصري ( توفيق صالح ) لاخراج الفلم بعد ان فتحت الميزانية المفتوحة شهيته على الرغم من ان توفيق صالح لم يكن منسجما مع التوجه القومي لحزب البعث بسبب خلفيته الثقافية اليسارية .وتم انتاج الفلم ووزع بكافة دور العرض العراقية وروج له بدعاية كبيرة ولم يخلص العراقيين من عرض الفلم في مناسبة وغير مناسبة الابعد ان قتل بطل الفلم صدام كامل على يد القائد الضرورة بثورة الغضب واعتبر بطل الفلم من شهداء ثورة الغضب !!!!

وقبل دخول العراق الحرب العراقية الايرانية وفي خضم التهيئة التعبوية لما يسمى الريح الصفراء القادمة من الشرق وان قادسية صدام هي امتدادا لقادسية العرب لدحر الاطماع الفارسية على حد تعبير وسائل الاعلام البعثية تم انتاج فلم "القادسية" والذي يصورمعركة القادسية التي حدثت بين المسلمين والفرس في القرن الاول الهجري ومعروف لما لهذا الموضوع من اهداف عنصرية وطائفية لاتخفى على احد .

وهذا الفلم تم تخصيص ميزانية كبير له تقدر باكثر من (30) مليون دولار وهي كما يقول المختصون اعلى ميزانية لسينما عربية في ذلك الوقت .

وتعتبر السينما احدى وسائل الاتصال المهمة بين جميع دول العالم وكذلك تعتبر لغة التفاهم الوحيدة بين جميع لغات العالم , حيث كان من شأنها أن تأخذ بيد العراق الى التقدم والأنفتاح على باقي ثقافات المجتمعات الأخرى , وكذلك نقل الواقع الأجتماعي والثقافي للعراق الى جميع دول العالم .

وقد كان للسينما العراقية ما يشرفها بالوسط العربي والعالمي ولها من روادها ما يرفع الرأس قبيل تدخل النظام البعثي فيها , لكن نظام البعث لم يترك السينما وشأنها بدأ يزج أنفه فيها وبدأ يسيرها في ركبه وقام بعسكرتها من خلال أقامة مؤسسات أعلامية وسينمائية تحت مسميات وأشراف عسكري يريد من خلاله أخضاع السينما والسينمائيين لتوحيد جهودهم في سبيل خدمة النظام البعثي وليس خدمة البلد والتاريخ الثقافي .

ومن تلك المؤسسات دائرة السينما والمسرح , ودائرة الأذاعة والتلفزيون والتي كانت تدار من قبل جهات عسكرية آبان الحرب العراقية الأيرانية وأيضاً كانت هناك عسكرة للفنانين والمسرح من خلال انشاء فرقة االمسرح العسكري وفرقة الانشاد العسكري ولم تسلم حتى الفرقة القومية للتمثيل والتي تاسست بوقت مبكر على الرغم من محاولات بعض العاملين بها التخلص من طوق السلطة ولكنها بقيت محاولات ليس الا . وغيرها الكثير من تلك المؤسسات التي كانت تخضع للتوجيه السياسي آبان حكم البعث .

وقد ركز النظام البعثي على السينما بأعتبارها وسيلة مهمة من وسائل الأيصال للمتلقي وايضاً لها قاعدة كبيرة من الجمهورمن اجل أخضاعها لسيطرته , وتم أنتاج الكثير من الأفلام التعبوية التي ليس لها من الفن شيء وكذلك أجبار الكثير من الفنانين والسينمائيين والحرفيين للقيام بذلك محاولة منه ااسيطرة على الروءى الايدلوجية وحصرها في اطار الفكر القومي والبعثي فقط .

وهنا تسأول يدور في أذهان الكثيرين , ماهي الرسائل المتوخاة من تلك الأفلام ؟ وما المراد أيصله للمتلقي والجمهور ؟ وما سر البطل الذي لا يقهر في تلك الأفلام ؟ ولماذا الأستخفاف والسخرية من المقابل ؟.

لكي نجيب على كل تلك الاسئلة يجب ان نأخذ بعض الأمثلة من تلك الأفلام التعبوية , نذكر منها ( الحدود الملتهبة , المنفذون ، الفرس والجبل ) , حيث نلاحظ بعد قراءتها ان هذه الأفلام متشابهة الى حد كبير من حيث الفكرة والتأليف , ان هذه الأفلام تعرض لنا شراسة وبطش النظام البعثي بكل من يحاول ان يزاحمه على السلطة وان الرسائل التي تريد ان توصلها تلك الأفلام للمتلقي ان من يحاول المساس بالسلطة يفنى ويبطش به ويعتبر خائن ويكفر ومن يحاول التصدي أو الوقوف بوجه النظام البعثي لا تقوم له قائمة , ان هذه الأفلام تعرض لنا ان اي جهة أو جماعة خارجية كانت ام داخلية تقف في وجه النظام البعثي تعتبر خائنة وعدو وتستحق الموت وكذلك تنقل تلك الأفلام للمتلقي وتوضح له زيفاً كان ام حقيقة أن النظام البعثي على حق وان من يقف ضده خائن ورذيل , كذلك يحاول النظام البعثي من خلال تلك الأفلام أخافة المتلقي وتعرض له مصير من يحاول الأطاحة بها وأخافته ايضاً بذلك البطل الذي لا يقهر والذي لا يمكن الحاق الذى به والذي يلاحق كل من يحاول المساس بحكومته من أجل أخضاع الشعب وهو المقصود الاول والأخير من كل هذه الأفلام لأن هذه الترهات لا تمض مع غيره .

لذلك يسهب النظام من خلال تلك الأفلام التعبوية من أجل الأسفاف والتسفيه بالمقابل وجعل بطلها هو الذي يسيطر على زمام الأمور , فكان المقصود من تلك الأفلام والرسائل التي كانت ترسلها هي أخافة الشعب أو الجمهور من ذلك البطل الذي لا يقهر وان من يجرأ على مقاومته خارجية كانت الجهة ام داخلية فلا يستطيع ذلك وينال من العقاب ما يناله .

من كل ما تقدم نحاول ان نظهر بعض مخططات نظام البعث للسيطرة بالحديد والنارعلى الشعب ومقدراته وقمع اي محاول ترفض الظلم وتنشد التحرر , كان الفرد العرقي والشعب هو المقصود والعدو الوحيد للنظام البعثي وان واجبه هو قمعه ورده وليس العدو الخارجي كما يدعون .

Atheer_18@yahoo.com