الثلاثاء، 15 يوليو 2008

سينما البعث

اثير الشامي

يقال ان الادب والفن هما مراة الأمة ، اي انهما انعكاسا لما عليه الامم من حضارة وتقدم او انحطاط وتدهور ، حتى وصل الامر من البعض ان يقسم العصور من عصور نهضة او تدهور من خلال الادب والفن ، فأن كانت الاداب مزدهرة والفنون مشتغل بها سمي هذا العصر بعصر النهظة او العصر الذهبي وما الى ذلك ،وان كانت الاداب والفنون لايعمل بها والمشتغلون بها لايشارلهم سمي هذا العصر بعصر الانحطاط او العصور المظلمة .

وفي زمن يقاد به الفن والفنانين وتكمم به الأفواه , زمن كان يسيطر فيه الحديد والنار على كل ما هو أنساني وجميل , ذلك هو زمن البعث في سنين عجاف امتهن الفن والفنانين على يد المؤسسة الحاكمة والتي لاتنتمي الى هذا الوسط بل بالعكس تشعر بالغربة والريبة والحذر مما جعلها تعمل وبشكل سافر ومبرمج لتشويه صورة هذا المرفق الثقافي من خلال وضع عناصر تفتقر الى ابسط مقومات الثقافة والفن على راس المؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي والفني ولم يكونوا سوى امعات تنفذ رغبات راس النظام وتدور في فلك التمجيد والتسبيح بحمد القائد الظرورة والحزب القائد .

واذا علمنا ان سلطة البعث ومن خلال سياسة "التبعيث " والتي لم تستثني ايا من المرافق الحياتية للشعب العراقي الا ودسة انفها فيه ومنها الاداب والفنون والثقافة فالفنون التشكيلية يجب ان تخضع لللادلجة وعلى الفنان التشكيلي ان يرسم بفلك البعث فكان مهرجان الحزب ، ومهرجان الواسطي ، وفي الاداب والشعر كان مهرجان المربد وعلى الاديب ان يسبح في بحر الحزب الاوحد

ويطهر ذنوبه المتهم بها من قبل السلطة الحكيمة .

وفي الفنون الشعبية والفلكلورية والغناء كان هناك مهرجان بابل الدولي والذي حشدت له الامكانيات المادية الكبيرة وجلبت له الفرق الغنائية من اقصى بلاد الشرق الى اقصى بلاد الغرب لتمجيد حفيد نبو خذ نصر وابن سلالة بابل .

ولم تكن السينما العراقية بمعزل عن هذا التوجه ،على الرغم من ان بدايات السينما العراقية لم يكن للسلطة يدا بها ،ولكن بعد ان سيطر حزب البعث على مقاليد السلطة في العراق ،وبالخصوص بعد وصول صدام حسين الى السلطة ، وبعد ان اقنع صدام قيادات الحزب بضرورة كتابة تاريخ حزب البعث وتوثيقه سينمائيا –ارجوا الانتباه الى عبارة تاريخ الحزب وليس تاريخ صدام – ولكن بما ان الحزب هو صدام وصدام هو الحزب كما ان صدام هو الوطن والوطن هو صدام فلا باس بذلك ، تم انتاج الايام الطويلة وهي ايام طويلة وبائسة حقا على العراقيين .

ويتحدث المخرج السينمائي قاسم حول عن الايام الطويلة وعن ظروف وطريقة انتاج هذا الفلم

"عندما شعر رئيس النظام العراقي صدام حسين بألم في فقراته في عام 1975، وطلب إليه أطباؤه المكوث في السرير لفترة من الوقت، استدعى عددا من كتاب الرواية العراقية لكي يروي لهم وهو على سرير العلاج تاريخه السياسي ونضاله في وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق. وكان كتاب القصة والرواية يتسابقون للفوز برواية تحقق لهم الشهرة والمال. وكان أكثرهم حماسا وسرعة في الأداء الشاعر عبد الأمير معله وهو ليس كاتبا روائيا إنما كان يكتب الشعر ويشغل منصب مدير مؤسسة السينما العراقية. كان يكتب فصول الرواية يوما بيوم ويطبعها في الصباح لتكون بين يدي صدام حسين قبل عقد الجلسة التالية لفقرات الرئيس.

وهكذا فاز ( معله ) بمجد رواية أطلق عليها اسم ( الأيام الطويلة ) التي تم طبع ملايين النسخ منها، وبأكثر من لغة، وأتخذ القرار الإعلامي بتحويلها إلى فيلم سينمائي تقرر أن لا توضع له ميزانية محددة، بل أن تكون ميزانية إنتاج هذا الفيلم ( ميزانية مفتوحة ) وهو تعبير لم تستخدمه هوليوود حتى في أضخم أفلامها القديمة إنتاجا مثل ( الوصايا العشر ) و ( ذهب مع الريح( " .

واختير المخرج المصري ( توفيق صالح ) لاخراج الفلم بعد ان فتحت الميزانية المفتوحة شهيته على الرغم من ان توفيق صالح لم يكن منسجما مع التوجه القومي لحزب البعث بسبب خلفيته الثقافية اليسارية .وتم انتاج الفلم ووزع بكافة دور العرض العراقية وروج له بدعاية كبيرة ولم يخلص العراقيين من عرض الفلم في مناسبة وغير مناسبة الابعد ان قتل بطل الفلم صدام كامل على يد القائد الضرورة بثورة الغضب واعتبر بطل الفلم من شهداء ثورة الغضب !!!!

وقبل دخول العراق الحرب العراقية الايرانية وفي خضم التهيئة التعبوية لما يسمى الريح الصفراء القادمة من الشرق وان قادسية صدام هي امتدادا لقادسية العرب لدحر الاطماع الفارسية على حد تعبير وسائل الاعلام البعثية تم انتاج فلم "القادسية" والذي يصورمعركة القادسية التي حدثت بين المسلمين والفرس في القرن الاول الهجري ومعروف لما لهذا الموضوع من اهداف عنصرية وطائفية لاتخفى على احد .

وهذا الفلم تم تخصيص ميزانية كبير له تقدر باكثر من (30) مليون دولار وهي كما يقول المختصون اعلى ميزانية لسينما عربية في ذلك الوقت .

وتعتبر السينما احدى وسائل الاتصال المهمة بين جميع دول العالم وكذلك تعتبر لغة التفاهم الوحيدة بين جميع لغات العالم , حيث كان من شأنها أن تأخذ بيد العراق الى التقدم والأنفتاح على باقي ثقافات المجتمعات الأخرى , وكذلك نقل الواقع الأجتماعي والثقافي للعراق الى جميع دول العالم .

وقد كان للسينما العراقية ما يشرفها بالوسط العربي والعالمي ولها من روادها ما يرفع الرأس قبيل تدخل النظام البعثي فيها , لكن نظام البعث لم يترك السينما وشأنها بدأ يزج أنفه فيها وبدأ يسيرها في ركبه وقام بعسكرتها من خلال أقامة مؤسسات أعلامية وسينمائية تحت مسميات وأشراف عسكري يريد من خلاله أخضاع السينما والسينمائيين لتوحيد جهودهم في سبيل خدمة النظام البعثي وليس خدمة البلد والتاريخ الثقافي .

ومن تلك المؤسسات دائرة السينما والمسرح , ودائرة الأذاعة والتلفزيون والتي كانت تدار من قبل جهات عسكرية آبان الحرب العراقية الأيرانية وأيضاً كانت هناك عسكرة للفنانين والمسرح من خلال انشاء فرقة االمسرح العسكري وفرقة الانشاد العسكري ولم تسلم حتى الفرقة القومية للتمثيل والتي تاسست بوقت مبكر على الرغم من محاولات بعض العاملين بها التخلص من طوق السلطة ولكنها بقيت محاولات ليس الا . وغيرها الكثير من تلك المؤسسات التي كانت تخضع للتوجيه السياسي آبان حكم البعث .

وقد ركز النظام البعثي على السينما بأعتبارها وسيلة مهمة من وسائل الأيصال للمتلقي وايضاً لها قاعدة كبيرة من الجمهورمن اجل أخضاعها لسيطرته , وتم أنتاج الكثير من الأفلام التعبوية التي ليس لها من الفن شيء وكذلك أجبار الكثير من الفنانين والسينمائيين والحرفيين للقيام بذلك محاولة منه ااسيطرة على الروءى الايدلوجية وحصرها في اطار الفكر القومي والبعثي فقط .

وهنا تسأول يدور في أذهان الكثيرين , ماهي الرسائل المتوخاة من تلك الأفلام ؟ وما المراد أيصله للمتلقي والجمهور ؟ وما سر البطل الذي لا يقهر في تلك الأفلام ؟ ولماذا الأستخفاف والسخرية من المقابل ؟.

لكي نجيب على كل تلك الاسئلة يجب ان نأخذ بعض الأمثلة من تلك الأفلام التعبوية , نذكر منها ( الحدود الملتهبة , المنفذون ، الفرس والجبل ) , حيث نلاحظ بعد قراءتها ان هذه الأفلام متشابهة الى حد كبير من حيث الفكرة والتأليف , ان هذه الأفلام تعرض لنا شراسة وبطش النظام البعثي بكل من يحاول ان يزاحمه على السلطة وان الرسائل التي تريد ان توصلها تلك الأفلام للمتلقي ان من يحاول المساس بالسلطة يفنى ويبطش به ويعتبر خائن ويكفر ومن يحاول التصدي أو الوقوف بوجه النظام البعثي لا تقوم له قائمة , ان هذه الأفلام تعرض لنا ان اي جهة أو جماعة خارجية كانت ام داخلية تقف في وجه النظام البعثي تعتبر خائنة وعدو وتستحق الموت وكذلك تنقل تلك الأفلام للمتلقي وتوضح له زيفاً كان ام حقيقة أن النظام البعثي على حق وان من يقف ضده خائن ورذيل , كذلك يحاول النظام البعثي من خلال تلك الأفلام أخافة المتلقي وتعرض له مصير من يحاول الأطاحة بها وأخافته ايضاً بذلك البطل الذي لا يقهر والذي لا يمكن الحاق الذى به والذي يلاحق كل من يحاول المساس بحكومته من أجل أخضاع الشعب وهو المقصود الاول والأخير من كل هذه الأفلام لأن هذه الترهات لا تمض مع غيره .

لذلك يسهب النظام من خلال تلك الأفلام التعبوية من أجل الأسفاف والتسفيه بالمقابل وجعل بطلها هو الذي يسيطر على زمام الأمور , فكان المقصود من تلك الأفلام والرسائل التي كانت ترسلها هي أخافة الشعب أو الجمهور من ذلك البطل الذي لا يقهر وان من يجرأ على مقاومته خارجية كانت الجهة ام داخلية فلا يستطيع ذلك وينال من العقاب ما يناله .

من كل ما تقدم نحاول ان نظهر بعض مخططات نظام البعث للسيطرة بالحديد والنارعلى الشعب ومقدراته وقمع اي محاول ترفض الظلم وتنشد التحرر , كان الفرد العرقي والشعب هو المقصود والعدو الوحيد للنظام البعثي وان واجبه هو قمعه ورده وليس العدو الخارجي كما يدعون .

Atheer_18@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: