الثلاثاء، 15 يوليو 2008

السينما العراقية .......

بين ماضي مشرف وحاضر مشوه ومستقبل مجهول

اثير الشامي

السينما صناعة جبارة , فهي لا تكتفي بصناعة الرأي والفكرة في عقول المتلقي فحسب بل تتعدى ذلك لتصنع عوالم جديدة مبتكرة كان يعتقد انها ستظل اسيرة لخيال الأنسان ولن تتجسد على ارض الواقع وكأنها حقيقة , لقد استطاع السينمائيون أن يخلقوا لنا عوالم وهمية وان يحلقوا بنا الى الفضاء , كما أستطاعوا ايظا ان يعيدونا الى الوراء عشرات ومئات السنين لنعيش مع من سبقونا حياتهم كما هي عبر خلقهم للظروف نفسها أو المشابهة لها التي كان يعيشون فيها في الماضي , لقد حاكوا بخيالهم الواقع وتجاوزوا كل حدود الزمان والمكان والمنطق .

السينما في بداياتها كانت بسيطة التركيب خالية من التعقيد , فكان كل ما يتكلفه المصور او المخرج أنذاك هو الأتيان بفكرة صالحة للتصوير , ثم يقوم بتصويرها وتنفيذها كما هي في مكانها الحقيقي في الطبيعة .

لكن مع الأنتشار الواسع والسريع للسينما , ومع أزدياد عدد الأفلام المنتجة ووصول المنتجين الى اقصى ما يمكن أن يسمح به المتاح وقتها , ظهرت الحاجة الى الأبتكار والتطوير وظهر معها جيل من السينمائيين الرواد في العالم نذكر منهم الفرنسي ( جورج ميله ) والأمريكي ( ادوين سي كريفث ) والأخوين لومير والبريطاني ( هتشكوك ) والكثير من الرواد .

من هذه المقدمة لتاريخ السينما في العالم وبداياتها نعرج على بدايات السينما في العراق وكيف كانت .

بدأت السينما في العراق في عام 1959 بعد أنشاء أول مؤسسة للسينما هي مؤسسة السينما والمسرح , الا ان هذه المؤسسة لم تباشر الأنتاج السينمائي الا بعد النصف الثاني من الستينيات وكانت تكتفي بأنتاج الأفلام الوثائقية ذات الصلة بتلك الفترة وأستمرت على هذه الوتيرة الى عام 1966 .

وخلال الفترة التي سبقت عام 1966 قدم القطاع الخاص من شركات وأفراد عدد من الأفلام , وقد برز في تلك الفترة الكثير من الرواد والمخرجين السينمائيين العراقيين الذين قدموا الكثير من الأفلام وكان منها فلم ( قطار الساعة 7 ) من اخراج حكمت لبيب أواديس عام 1961 الذي يعد واحد من المخرجين العراقيين المميزين , حيث قدم هذا المخرج أفلاماً كثيرة كان لها قيمة فنية وجمالية مثل فلم ( أوراق الخريف ) تمثيل الفنان سليم البصري ومورين ويعد هذا الفلم من الأفلام التي لاقت نجاحاً جماهيرياً مرموقاً في مسيرة السينما العراقية وكونه يحمل موضوعاً أجتماعياً بأخراج متقن وتم أنتاج هذا الفلم عام 1963 , وقبل هذا الفلم تم انتاج فلم ( حوبة المظلوم ) أو ( القرار الأخير ) في عام 1961 من أخراج صفاء محمد علي , وايضا فلم ( أنا العراق ) عام 1961 للمخرج محمد منير ال ياسين , وفلم ( من أجل الوطن ) للمخرج فوزي الجنابي , وفلم ( سلطانة ) للمخرج صفاء محمد علي وفلم مشترك عراقي لبناني ( غرف رقم 7 ) وأيضاً فلم ( مشروع الزواج ) للمخرج كاميران حسني عام 1962 , وفلم ( نعيمة ) لمخرجه عبد الجبار ولي عام 1962 , وفلم ( ابو هيلة ) لمخرجه الكبير محمد شكري جميل وتمثيل يوسف العاني وعرض هذا الفلم في عام 1962 , وفلم ( فجر الحرية ) الذي أخرجه محمد منير عام 1962 .

وقد عرض أول فلم سينمائي عراقي ملون وهو فلم ( نبوخذ نصر ) لمخرجه كامل العزاوي وتمثيل سامي عبد الحميد حيث بدأ التصوير والعمل به في عام 1957 وتم انجازه وعرضه عام 1961 , وهناك الكثير من الأفلام السينمائية الأخرى .

وكانت الأفلام السينمائية تطبع وتحمض في معامل خارج العراق ولكن كان انتاجها وأخراجها داخل العراق , كانت السينما العراقية في تلك الفترة في أعلى مستوياتها وكان لها شأنها في الوسط العربي والعالمي , كان ذلك الوقت هو العصر الذهبي للسينما العراقية .

وبعد تسلم النظام البعثي الفاشي السلطة في العراق ومنذ ذلك الحين بدات السينما شأنها شان باقي مفاصل الحياة في العراق بالتراجع الى الوراء وبعد أن جعلها النظام البعثي تحت طائلته , قام بأجبار الكثير من رواد السينما وصناعها في العراق على أنتاج وصناعة أفلام سينمائية تعبوية تجسد عظمة وبطش وعدوانية النظام البعثي محاولة منه لأخضاع السينما والسينمائيين للتسييس والعسكرة التي كان يقودها ذلك النظام الفاشي , وكانت تلك الفترة فترة عصيبة على الكثير من السينمائيين الأشراف الذين لم يبدلوا أو يساوموا على مبادئهم وجمالية انتقاء المواضيع الانسانية والتي تخدم الأنسان وتوعي المتلقي , مما أجبر الكثيرين منها على الهروب خارج البلد كي لا يصلهم بطش الجلاد .

قام النظام الفاشي في تلك الفترة بأنتاج أفلام تعبوية نذكر منها ( صخب البحر , المنفذون , الحدود الملتهبة ) والكثير من الأفلام التعبوية الخالية من المعايير الأنسانية , حيث كانت هذه الأفلام تطبع وتحمض في معامل داخل بعض الدول العربية التي كانت تتملق للحكومة البعثية , وكانت لهذه الأفلام ميزانيات مفتوحة من قبل الحكومة لا تحدد الا بعد ان يتم تصويرها وطبعها وعرضها .

في تلك الفترة تردى مستوى الأنتاج السينمائي في العراق وبعد ان كان في مقدمة الدول العربية أمسى في مؤخرتها , فقد أصبح من الصعوبة انتاج فلم سينمائي بسبب الرقابة التي التي كان يسميها النظام البعثي ب( السلامة الفكرية ) والتي تعني عدم عدم التعرض للحكومة لا من قريب ولا من بعيد ويجب التملق لها وتمجيدها في كل فيلم يتم تصويره وعرضه في العراق او خارجه ومن يفعل عكس ذلك او يرفض تعتبر فكرة الفلم غير صالحة فكريا , وهذا يعني كم الأفواه واغلاق باب حرية التعبير والرأي والرأي الأخر وايضاً هنالك معوقات مادية بسبب صعوبة الفلم الخام وصعوبة الطبع والتحميض , لذلك نشطت في تلك الفترة زمن البعث أفلام اطلق عليها تسمية ( أفلام السكرين ) والتي كانت بستوى ضحل جداً وهي التي أطاحت بالماضي العريق للسينما العراقية .

وبعد سقوط الصنم وأنهيار الحكومة البعثية وبعد تلك الفترة الطويلة من الظلم والأستبداد ترك ذلك النظام البعثي على عاتق السينما العراقية تركة ثقيلة من سلوك ومخلفات البعث المجرم والتي مازالت لليوم أثارها واضحة والتي ادت الى ابتعاد السينما عن أنتاج أفلام لغرض انساني واجتماعي وثقافي .

هذا ما جعل السينما العراقية في مستقبلا مجهول لا يمكن التكهن به ولا نستطيع ان نعرف متى يمكن لها العودة الى ما كانت عليه ومتى تدور عجلة الأنتاج السينمائي .

الا ان لابد من النهوض بالسينما لمواكبة الأمواج العالية في الانتاج السينمائي في العالم , وكانت هناك عدة محاولات للعودة بالسينما الى ما كانت عليه من قبل مجموعة من السينمائيين الرواد والشباب نذكر منها فلم ( أحلام ) للعراقي المقيم في برطانيا محمد الدراجي , وقد اعتبر هذا الفلم نموذجا لمعاناة العراقيين ما بعد سقوط الصنم والترك الثقيلة التي تركها النظام البعثي للعراق من دمار ومأسي , فلم( أحلام ) يدور حول ثلاثة عوائل بغدادية لا يربط بين أبطالها سوى تقاسم المعاناة بينهم , غير ان قصة الفلم تجمع هؤلاء الأبطال في مستشفى الأمراض العقلية لسبب واحد وهو النظام السياسي بالبلاد فالبطل " علي " الذي يجسده بشير الماجدي المجند الأجباري في نقطة مراقبة قرب الحدود السورية يلقى القبض عليه بتهمة الفرار من ارض المعركة قبيل سقوط النظام بأشهر حيث كان يحاول أنقاذ صديقه الجريح فينتهي بالمصح العقلي بعد معاقبته بقص أذنه .

ومثله أحلام الطالبة الجامعية ( أسيل عادل ) التي ينتهي بها الحال في المصح ذاته بعد أعتقال حبيبها أحمد في ليلة زفافهما لأرتباطه بتنظيم سري لمجموعة اسلامية مناوئة للسلطة فينتهي المطاف بأحلام بفستان الزفاف نزبلة المصح .

ومعها الدكتور الجديد الشاب مهدي ( محمد هاشم ) الذي حرمه أعدام والده بسبب أنتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي من إكمال دراسته الطبية العليا , فكان وجوده في المصح العقلي كطبيب عقوبة له كأبن لاحد المعدومين ومعينا للبطلين أحلام وعلي .

وأول فلم عقب سقوط الصنم هو فلم ( غير صالح ) للمخرج الشاب عدي صلاح الذي أعتمد على سكيتشات لا رابط بينها , لكنه كان غير موفق في هذا الفلم لانه ضيع عليه وعلى المشاهد توثيق لحظات مهمة مرت بها بغداد والعراق كله .

رغم عدم شيوع صناعة السينما في العراق والتعامل مع الكاميرا السينمائية كما هو الامر مع الكاميرا التلفزيونية أو الفديو , ولقة سنوات الخبر في الاخراج السينمائي بعد الأنقطاع الطويل , الا ان هذا الافلام كانت كبداية لانطلاق السينما العراقية ولا سيما ان فلم ( أحلام ) يحمل رقم 101 بين الافلام العراقية التي تم انتاجها , وقد تكون هذه الصدفة الجميلة التي وضعت الفلم في هذا الرقم الفاصل بين زمنين متفاوتين ولعله يجلب للسينما العراقية تجارب تختلف عما كانت عليه .

Atheer_18@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: