الثلاثاء، 15 يوليو 2008

السذاجة والسطحية سمة الدراما العراقية الأن لماذا؟

اثير الشامي

يمر العراق الأن بحالة مأساوية وفوضى عارمة من اختلاط المفاهيم وعدم القدرة على التمييز والأدراك للمصطلحات والمفاهيم الجديدة التي طرأت على الواقع العراقي بعد سقوط نظام صدام المقبور , فالديمقراطية والفدرالية وحرية التعبير والرأي والرأي الأخر , كلها مصطلحات جديدة جاءت بعد سقوط الصنم , الا ان العراقيين يعتادوا بماضيهم بشكل غير معقول وهم يعتقدون بأنهم ورثة كلكامش وأورك وبابل وحضر , أنهم ورثة كلكامش الذي يبحث عن الخلود وقصة الأخلاص لصديقه العتيد انكيدو , الا ان العراقيين تنازلوا عن الخلود ولم تعد العشبة ذات أهمية بالنسبة لهم , وذهبوا للبحث عن الأمن والأمان .

في الوقت الذي يحتاج به العراق الى كل ابنائه للتواصل مع ماضيهم ووضع اقدامهم على أول الطريق للمضي الى الحرية والتحرر بمفهومها الصحيح , نرى ونسمع من خلال بعض القنوات الفضائية العراقية والاذاعات ايضاً انها تقدم برامج ومسلسلات تسخر من كل الأشياء وتسخر من ذكريات جميلة كنا نعيشها في الماضي مع قلة الأشياء الجميلة في ذلك الزمن ظهرت مع الاسف مسلسلات تسخر من برامج وأفلام للرسوم المتحركة التي كنا نشاهدها في طفولتنا وصبانا مثل (أفتح ياسمسم ) و(ساسوكي ) والتي كانت في زمن لا يتوفر فيه الكثير من وسائل الترفيه , سوى تلك البرامج والافلام , هذه الأفلام تحاول ان تقتل فينا ذكرياتنا الجميلة وتسخر منها وليس لها من الدراما والفن شيء .

يقف العراقيون اليوم امام منعطف جديد في تعاطيهم لهذه المفاهيم الجديدة , فاما ان يكونوا متحضرين وينهضون بها بمفهومها الصحيح ويعبرون بالعراق الى بر الأمان , وأما ان يسخروا من ماضيهم ويشوهوا حاضرهم ويصبح مستقبلهم مجهول .

الدراما العراقية يمكنها ان تأتي برؤية جديدة حول الواقع الذي نعيشه وحول المستقبل , والدراما العراقية الأن متحررة من كل القيود ومن الخطوط الحمراء , يجب عليها ان تغير بعض مما ترسخ في الذهن العراقي على مدى عقود من الظلم والأستبداد وكم الأفواه وذلك من خلال تناول المشكلات المطروحة في الواقع العراقي الأن , وهذه الفرصة لم تكن متاحة للدراما العراقية في تلك الفترة المظلمة .

ان الفضائيات العراقية لا اقول جميعها بل بعضها تعبث بكل شيء وتسفه كل الأشياء وتنقد كل ما هو جميل وقبيح سيان , الا ان هذا لا بأس به في أطار حرية التعبير وحرية الرأي , ولكن يجب ان يكون وراء هذا النقد هدف سامي ونبيل يقصد به البناء والتقويم وهذه حالة صحية في المجتمع نود انتشارهه في بلدنا .

الا ان بعضها تقدم مسلسلات وبرامج تكتفي بالنقد الجارح الذي يصل الى حد الهدم دون الالتفاف الى اي زاوية بعيدة او افق يبث فيه أمل ما لدى الناس أو يرمز لأشراقت شمس جديدة في العراق , هذا الطرح يضع مصداقيتها موضع تسأول وشك .

رغم المساحة المتاحة للأنتاج الدرامي داخل العراق وخارجه وحرية تناول اي موضوع واي مشكلة يعاني منها الشارع العراقي , لم تشهد الدراما العراقية حالة من السذاجة والتسطيح كالتي نعيشها الأن , فعلى مدى سنوات لم يستطع كتاب الدراما العراقية أن يأتوا بشيء قريب من الألام التي يعيشها الفرد العراقي , الا في أعمال قليلة جداً( سارة خاتون) و(السرداب ) رغم الحرية الكبيرة المتاحة لهم , أغلب الأعمال الدرامية التي انتجت خلال هذه الفترة تراهن على الجانب الكوميدي الساخر مما يحدث في العراق لتمرير رسالتهم , لكنهم لا يدركون مساحة هذه الحرية التي يتحركون بها , والتي هي اكبر من ادراكهم ,وبالتالي تكون النتيجة كم هائل من الأعمال السطحية والساذجة .

لم يحاول كتاب الدراما من توثيق تاريخ مهم وصفحة مهمة من تاريخ العراق هي ما بعد سقوط صدام وفوتوا على انفسهم فرص الخلود في الدراما والتاريخ .

الكثير من الأعمال الدرامية أنتجت خارج العراق وذلك بأعتقاد منتجيها بانهم سيكونون بعيدين عن العنف وفرق الموت والتصادم مع التيارات المتطرفة , الى ان نجاح العمل الدرامي يعتمد على هذا العنصر وهو المكان , يجب ان تبث الحقيقة في نقل الواقع من الواقع نفسه وتحت نفس الظروف وبالتالي فان هذه الأعمال تفتقر الى عنصر مهم هو عنصر الأقناع , فالزمن هو زمن عراقي والمكان هو مكان عراقي , فالمكان الذي يألفه العراقي لا يراه على الشاشة وهو يشاهد عملا تلفزيونيا يفترض ان يتناول تفصيلا معيا من حياته .

أن اي عمل درامي يعتمد في جوهره على صراع يستند على عنصرين أساسيين هما الزمان والمكان , فأذا ما أختلت هذه المعادلة أختل العمل بكامله , وهذا السبب دفع فريق عمل مسلسل ( أمطار النار ) الى وضع عبارة (فرسان الدراما العراقية من أرض الوطن يقدمون أمطار النار ) كأشارة الى الخلل الذي تعاني منه الأعمال التي تنتج في خارج العراق, أمطار النار انتج بالكامل داخل العراق وتم تصوره في نفس البيئة هي ( الأهوار ) اي انه يحقق المعادلة التي تعتمد على طرفيها الدراما هما الزمان والمكان .

Atheer-18@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: